قال ثابت البناني : بلغني أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) إلى آخرها.
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨))
قوله تعالى (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) ، قال عطاء : شرائع ، وقال الكلبي : مضت لكل أمة سنّة ومنهاج إذا اتبعوها رضي الله عنهم ، وقال مجاهد : قد خلت من قبلكم سنن بالهلاك فيمن كذّب قبلكم ، وقيل : سنن أي : أمم ، والسّنّة : الأمّة ، قال الشاعر :
ما عاين الناس من فضل كفضلكم |
|
ولا رأوا مثلكم في سالف (١) السّنن |
وقيل معناه : أهل السنن ، والسنة : [هي](٢) الطريقة المتبعة في الخير والشر ، يقال : سنّ فلان سنّة حسنة ، وسنّة سيئة إذا عمل عملا اقتدي به فيه من خير وشر ، ومعنى الآية : قد مضت وسلفت مني سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة ، بإمهالي واستدراجي إيّاهم حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي أجلته لإهلاكهم ، وإدالة أنبيائي عليهم. (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ، أي : آخرنا من المكذبين ، وهذا في حرب أحد ، يقول الله عزوجل : فأنا أمهلهم وأستدرجهم حتى يبلغ أجلي الذي أجلته في نصرة النبي صلىاللهعليهوسلم وأوليائه وإهلاك أعدائه.
(هذا) أي : هذا القرآن ، (بَيانٌ لِلنَّاسِ) ، عامة ، (وَهُدىً) ، من الضلالة ، (وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ، خاصة.
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠))
قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) ، هذا حثّ لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم على الجهاد والصبر على ما أصابهم من القتل والجرح يوم أحد ، يقول الله تعالى : ولا تهنوا أي : لا تضعفوا ولا تجبنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح ، وكان قد قتل يومئذ من المهاجرين خمسة منهم : حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ، وقتل من الأنصار سبعون رجلا ، (وَلا تَحْزَنُوا) أي : على ما فاتكم ، (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) بأن يكون لكم العاقبة بالنصر والظفر على أعدائكم ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعني : إذ كنتم [على سنتي](٣) أي : لأنكم مؤمنون.
ع [٤٥٥] قال ابن عباس رضي الله عنهما : انهزم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الشّعب فأقبل خالد بن
__________________
ع [٤٥٥] ـ لا يصح عن ابن عباس ، وقد ساق المصنف أول الكتاب أسانيد عن ابن عباس وأكثرها واه ، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٥٠) عن ابن عباس بهذا اللفظ وبدون إسناد ، وليس بصحيح ، فإن المشهور في الأحاديث الصحيحة أن خالدا ومن معه قد علوا الجبل وكروا على المسلمين. وكان ما كان ، وأخرجه الطبري ٧٨٩١ عن ابن عباس مختصرا وفيه عطية العوفي وهو ضعيف ، وعنه مجاهيل. وهذا خبر منكر ، وسيأتي في الصحيح ما يرده.
ـ وله شاهد أخرجه الطبري ٧٨٨٩ عن ابن جريج مرسلا. ومراسيل ابن جريج واهية جدا.
__________________
(١) في المخطوط «سائر».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.