فقال : أمّا هؤلاء فقد قتلوا ، فما ملك عمر نفسه ، فقال : كذبت والله يا عدو الله ، إن الذين عددت لأحياء كلهم ، وقد بقي لك ما يسوؤك ، فقال : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ، ثم أخذ يرتجز : اعل هبل اعل هبل ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا تجيبوه»؟ قالوا : يا رسول الله ما نقول؟ قال : «قولوا الله أعلى وأجل» ، قال : إن لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا تجيبوه»؟ قالوا : يا رسول الله ما نقول؟ قال : «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم».
ع [٤٥٧] وروي هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وفي حديثه قال أبو سفيان : يوم بيوم وإن الأيام دول والحرب سجال ، فقال عمر رضي الله عنه : لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
قال الزجاج : الدولة تكون للمسلمين على الكفار ، لقوله تعالى : (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣)) [الصافات : ١٧٣] ، وكانت يوم أحد للكفار على المسلمين لمخالفتهم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني : إنما كانت هذه المداولة (لِيَعْلَمَ) أي : ليرى الله الذين آمنوا فيميز المؤمن من المنافق ، (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) ، يكرّم أقواما بالشهادة ، (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣))
(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : يطهركم من الذنوب ، (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) ، يفنيهم ويهلكهم ، معناه : أنهم إن قتلوكم فهو تطهير لكم ، وإن قتلتموهم فهو محقهم واستئصالهم.
(أَمْ حَسِبْتُمْ) أي : أحسبتم؟ (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) [أي : ولم يعلم الله](١) ، (الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) ، وذلك أن قوما من المسلمين تمنّوا يوما كيوم بدر ليقاتلوا ويستشهدوا فأراهم (٢) الله يوم (٣) أحد ، وقوله : (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أي : سبب الموت وهو الجهاد من قبل أن تلقوه ، (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) يعني : أسبابه ، (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ، فإن قيل : ما معنى قوله : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ، بعد قوله : (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ)؟ قيل : ذكره تأكيدا ، وقيل : الرؤية قد تكون بمعنى العلم ، فقال : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ليعلم أن المراد بالرؤية النظر ، وقيل : معناه : وأنتم تنظرون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤))
قوله عزوجل : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ، قال أصحاب المغازي :
__________________
ع [٤٥٧] ـ أخرجه الحاكم ٢ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ والبيهقي في «الدلائل» (٣ / ٢٩٦ ـ ٢٧١) عن ابن عباس مطولا. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ورجاله ثقات ، وله شواهد كثيرة منها المتقدم ، ومنها ما يأتي.
__________________
(١) زيد في المطبوع.
(٢) في المخطوط «فأتاهم».
(٣) في المخطوط «بيوم».