(نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) [النساء : ١١٥] ، فإذا انتهوا إليه حزنوا وتسودّ وجوههم من الحزن ، ويبقى أهل القبلة واليهود والنصارى لم يعرفوا شيئا مما رفع لهم فيأتيهم الله فيسجد له من كان يسجد في الدنيا مطيعا مؤمنا ويبقى أهل الكتاب والمنافقون لا يستطيعون السجود ، ثم يؤذن لهم فيرفعون رءوسهم ووجوه المؤمنين مثل الثلج بياضا والمنافقون وأهل الكتاب إذا نظروا إلى وجوه المؤمنين حزنوا حزنا شديدا فاسودت وجوههم ، فيقولون : ربنا ما لنا مسودة وجوهنا ، فو الله ما كنّا مشركين؟ فيقول الله للملائكة : انظروا كيف كذبوا على أنفسهم ، قال أهل المعاني : ابيضاض (١) الوجوه إشراقها واستبشارها وسرورها بعملها وبثواب الله [تعالى](٢) ، واسودادها حزنها وكآبتها وكسوفها بعملها وبعذاب الله ، يدل عليه قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) [يونس : ٢٦] ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) [يونس : ٢٧] ، وقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤)) [القيامة : ٢٢. ٢٤] وقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠)) [عبس : ٣٨. ٤٠] ، (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) ، معناه : يقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم ، [(فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)](٣) ، فإن قيل : كيف قال أكفرتم بعد إيمانكم ، وهم لم يكونوا مؤمنين؟ قيل : حكي عن أبي بن كعب أنه قال : أراد به الإيمان يوم الميثاق ، حين قال لهم ربهم : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ، يقول : أكفرتم بعد إيمانكم يوم الميثاق. وقال الحسن : هم المنافقون تكلّموا بالإيمان بألسنتهم ، وأنكروا بقلوبهم ، وقال عكرمة : إنهم أهل الكتاب آمنوا بأنبيائهم وبمحمد صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث ، فلما بعث كفروا به ، وقال قوم : هم من أهل قبلتنا ، وقال أبو أمامة : هم الخوارج ، وقال قتادة : هم أهل البدع.
[٤٢٣] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني على الحوض حتى انظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني ، فأقول : يا رب مني ومن أمّتي ، فقال : هلّ شعرت ما عملوا بعدك؟ فو الله ما برحوا يرجعون على أعقابهم».
وقال الحارث الأعور : سمعت عليا رضي الله عنه على المنبر يقول : إن الرجل ليخرج من أهله فما يعود إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به الجنّة ، وإن الرجل ليخرج من أهله فما يئوب إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به النار ، ثم قرأ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) الآية ، ثم نادى : هم الذي كفروا بعد الإيمان وربّ الكعبة.
__________________
[٤٢٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو مريم والد سعيد اسمه الحكم بن محمد بن سالم المصري. ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله.
أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٦٥٩٣) عن سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٢٩٣ وابن مندة في «الإيمان» (١٠٧٦) من طريق نافع بن عمر به.
ـ وورد من حديث عائشة أخرجه مسلم ٢٢٩٤ وأحمد ٦ / ١٢١ وأبو يعلى ٤٤٥٥ وابن أبي عاصم في «السنة» (٧٧٠) من طريق عثمان بن خيثم ، عن ابن أبي مليكة عنها.
__________________
(١) في المطبوع «بياض».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.