طعاما طيبا أو صبّ عليهم رجزا وهو الموت ، وقال الضحاك : لم يكن شيء من ذلك حراما عليهم ولا حرّمه الله في التوراة ، وإنما حرّموه على أنفسهم اتّباعا لأبيهم (١) ، ثم أضافوا تحريمه إلى الله [تعالى] ، فكذّبهم الله عزوجل ، فقال : (قُلْ) يا محمد (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) ، حتى يتبين أنه كما قلتم (٢) ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، فلم يأتوا ، فقال الله عزوجل :
(فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦))
. (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)) ، وإنما دعاهم إلى اتّباع ملة إبراهيم لأن في اتباع ملة إبراهيم اتّباعه صلىاللهعليهوسلم [في جميع ما جاء به](٣).
قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) ، سبب نزول هذه الآية : أن اليهود قالوا للمسلمين : بيت المقدس قبلتنا وهو أفضل من الكعبة وأقدم وهو مهاجر الأنبياء ، وقال المسلمون : بل (٤) الكعبة أفضل ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦)).
(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧))
. (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ، وليس شيء من هذه الفضائل لبيت المقدس ، واختلف العلماء في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) ، قال بعضهم (١) : هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، خلقه [الله تعالى] قبل الأرض بألفي عام ، وكان زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحته ، هذا قول عبد الله بن عمر ومجاهد وقتادة والسدي ، وقال بعضهم : هو أول بيت بني في الأرض ، روي عن علي بن الحسين (١) : أن الله تعالى وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور وأمر الملائكة أن يطوفوا به ، ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الأرض أن يبنوا في الأرض بيتا على مثاله وقدره ، فبنوه واسمه الضراح ، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور ، وروي (١) : أن الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام ، وكانوا يحجّونه ، فلما حجّه آدم قالت الملائكة : برّ حجك يا آدم ، حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام ، ويروى عن ابن عباس أنّه قال : أراد به أنه أول بيت بناه آدم في الأرض ، وقيل : هو أول بيت مبارك وضع هدى للناس [يروى ذلك عن علي. وقال الضحاك : إن أول بيت وضع للناس](٥) يعبد الله فيه ويحجّ إليه ، وقيل : هو أول
__________________
(١) هذه الآثار جميعا مردودة بالحديث الصحيح عن الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم وهو الآتي.
__________________
(١) في المخطوط «لآبائهم».
(٢) في المطبوع «قلت».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «في».
(٥) ما بين المعقوفتين جعل في المطبوع عقب كلام الحسن والضحاك.