بيت جعل قبلة للناس ، وقال الحسن والكلبي : أول مسجد ومتعبّد وضع للناس يعبد الله فيه ؛ كما قال الله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) [النور : ٣٦] ، يعني : المساجد.
[٤٠٥] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي [أنا محمد بن يوسف](١) أنا محمد بن إسماعيل [أنا موسى بن إسماعيل](٢) أخبرنا عبد الواحد أنا الأعمش أخبرنا إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال : سمعت أبا ذرّ يقول :
قلت : يا رسول الله أيّ مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال : «المسجد الحرام» ، قلت : ثم أي؟ قال : «المسجد الأقصى» ، قلت : كم كان بينهما؟ قال : «أربعون سنة» ، ثم قال : «أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فإن الفضل فيه».
قوله تعالى : (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) قال جماعة : هي مكة نفسها ، وهو قول الضحاك ، والعرب تعاقب بين الباء والميم ، فتقول : سبد رأسه وسمده ، وضربة (١) لازب ولازم ، وقال الآخرون : بكة موضع البيت ، ومكة : اسم للبلد كلّه ، وقيل : بكّة موضع البيت والمطاف ، سمّيت بكة : لأن الناس يتباكّون فيها ، أي يزدحمون يبكّ بعضهم بعضا [ويصلّي بعضهم بين يدي بعض](٢) ، ويمرّ بعضهم بين يدي بعض ، وقال عبد الله بن الزبير : سمّيت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة ، أي تدقّها فلم يقصدها جبار بسوء إلا قصمه الله ، وأما مكة [فإنها] سمّيت بذلك لقلة مائها ، من قول العرب : مكّ الفصيل ضرع أمه وامتكه إذا امتصّ كل ما فيه من اللبن ، وتدعى أم رحم لأن الرحمة تنزل بها ، (مُبارَكاً) نصب على الحال ، أي : ذا بركة (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) ، لأنه قبلة للمؤمنين (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) قرأ ابن عباس «آية بينة» على الواحد ، وأراد مقام إبراهيم وحده ، وقرأ الآخرون (آياتٌ بَيِّناتٌ) بالجمع ، فذكر منها مقام إبراهيم وهو الحجر الذي قام عليه إبراهيم ، وكان أثر قدميه فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي ، ومن تلك الآيات في البيت الحجر الأسود والحطيم وزمزم والمشاعر كلها ، وقيل : مقام إبراهيم جميع الحرم ، ومن الآيات في البيت أن الطير تطير [حوله] فلا تعلو فوقه ، وأن الجارحة إذا قصدت صيدا فإذا دخل الصيد الحرم كفت عنه [ولم تجرحه فيه](٣) ، وأنه بلد صدر إليه الأنبياء والمرسلون والأولياء والأبرار ، وأن الطاعة والصدقة فيها تضاعف بمائة ألف.
[٤٠٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد الحسن (٣) بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس
__________________
[٤٠٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، عبد الواحد هو ابن زياد العبدي ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، يزيد التيمي هو والد إبراهيم هو ابن شريك.
ـ خرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٣٣٦٦) عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه البخاري ٣٤٢٥ ومسلم ٥٢٠ والنسائي ٢ / ٣٢ وابن ماجه ٧٥٣ وعبد الرزاق ١٥٧٨ وابن أبي شيبة ٢ / ٤٠٢ والحميدي ١٣٤ وأحمد ٥ / ١٥٠ و ١٥٦ و ١٥٧ و ١٦٠ وأبو عوانة ١ / ٣٩١ و ٣٩٢ وابن حبان ٦٢٢٨ والطحاوي في «المشكل» (١ / ٣٢) والبيهقي ٢ / ٤٣٣ وفي «الدلائل» (٢ / ٤٣) من طرق عن الأعمش به.
ـ وأخرجه الطيالسي ٤٦٢ وأحمد ٥ / ١٦٠ و ١٦٦ و ١٦٧ وأبو عوانة ١ / ٣٩٢ وابن حبان ١٥٩٨ من طريق شعبة عن الأعمش به.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «صحيح البخاري» (٣٣٦٦)
(٣) في الأصل «أبو محمد بن الحسن» والتصويب من «شرح السنة».
[٤٠٦] ـ إسناده صحيح على شرط الشيخين ، أبو عبد الله الأغر اسمه سلمان ، مشهور بكنيته.
__________________
(١) كذا في النسخ والوسيط وفي القرطبي «طين» بدل «ضربة».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.