واختلفوا في الطعام الذي حرّمه يعقوب على نفسه وفي سببه ، قال أبو العالية وعطاء ومقاتل والكلبي : كان ذلك الطعام لحمان الإبل وألبانها (١).
وروي أن يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه فنذر لئن عافاه الله من سقمه ليحرمنّ أحبّ الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحمان (١) الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها ، فحرّمهما ، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك : هي العروق ، وكان السبب في ذلك أنه اشتكى عرق النّسا وكان أصل وجعه (٢) ، فيما روي جويبر [ومقاتل](٢) عن الضحاك : أن يعقوب [عليهالسلام](٣) كان نذر إن وهبه الله اثني عشر ولدا وأتى بيت المقدس صحيحا أن يذبح آخرهم ، فتلقاه ملك من الملائكة ، فقال : يا يعقوب إنك رجل قوي فهل لك في الصراع ، فصارعه فلم يصرع واحد منهما صاحبه ، فغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النسا من ذلك ، ثم قال له الملك : أما إني لو شئت أن أصرعك لفعلت ولكن غمزتك هذه الغمزة لأنك كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحا ذبحت آخر ولدك ، فجعل الله لك بهذه الغمزة من ذلك مخرجا ، فلما قدمها يعقوب أراد ذبح ولده ونسي ما قال له الملك ، فأتاه الملك وقال : إنما غمزتك للمخرج وقد وفي نذرك فلا سبيل لك إلى ولدك.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : أقبل يعقوب من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيصو ، وكان رجلا بطشا قويا فلقيه ملك فظن يعقوب أنه لص فعالجه أن يصرعه [فلم يصرعه](٤) ، فغمز الملك فخذ يعقوب ، ثم صعد إلى السماء ويعقوب عليهالسلام ينظر إليه ، فهاج به عرق النسا ولقي من ذلك بلاء وشدة ، فكان لا ينام الليل من الوجع ، ويبيت وله زقاء ، أي : صياح ، فحلف يعقوب لئن شفاه الله أن لا يأكل عرقا ولا طعاما فيه عرق ، فحرمه على نفسه [حين شفاه الله](٥) ، فكان بنوه بعد ذلك يتّبعون العروق ويخرجونها من اللحم.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس [قال](٦) : لما أصاب يعقوب عرق النسا وصف له الأطباء أن يجتنب لحمان الإبل فحرّمها يعقوب على نفسه ، وقال الحسن : حرّم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبّدا لله تعالى ، فسأل ربّه أن يجيز له ذلك فحرّمها الله على ولده ، ثم اختلفوا في هذا الطعام المحرّم على بني إسرائيل بعد نزول التوراة ، فقال السدي : حرّم الله عليهم في التوراة ما كانوا يحرمونه قبل نزولها ، وقال عطية : إنما كان محرّما عليهم بتحريم إسرائيل ، فإنه [كان](٧) قد قال : إن عافاني الله [تعالى] لا آكله ولا يأكله ولد لي ولم يكن محرّما عليهم في التوراة ، وقال الكلبي : لم يحرمه الله عليهم في التوراة وإنما حرّم عليهم بعد التوراة بظلمهم ؛ كما قال الله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠] ، وقال الله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ، إلى أن قال : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [الأنعام : ١٤٦] ، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرّم الله عليهم
__________________
(١) هذا الأثر وكذا ما بعده من الآثار مصدرها كتب الأقدمين.
(٢) هذه الآثار من الإسرائيليات المنكرة وأشدها نكارة مصارعة الملك!!؟.
__________________
(١) في المطبوع «لحم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.