«كان أبو طلحة الأنصاري أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحب أمواله (١) إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إن الله تعالى يقول (٢) في كتابه (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، وإنّ أحب أموالي إليّ بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بخ بخ ، ذلك مال رابح (٣) ، [ذلك مال رابح](٤) ، وقد سمعت ما قلت فيها ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» ، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه.
وروي عن مجاهد قال : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت فدعا بها فأعجبته ، فقال عمر : إن الله عزوجل يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، فأعتقها عمر.
وعن حمزة بن عبد الله بن عمر قال : خطرت على قلب عبد الله بن عمر هذه الآية (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٥) ، قال ابن عمر : فذكرت ما أعطاني الله عزوجل ، فما كان شيء أعجب إليّ من فلانة ، [وكانت جارية له](٦) هي حرّة لوجه الله تعالى ، ولو لا أنني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) ، أي : يعلمه ويجازي به.
(كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣))
قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ).
ع [٤٠٤] سبب نزول هذه الآية : أن اليهود قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنك تزعم أنك على ملّة إبراهيم وكان إبراهيم لا يأكل لحوم الإبل وأنت تأكلها ، فلست على ملّته ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كان ذلك حلالا لإبراهيم عليهالسلام» ، فقالوا : كلّ ما نحرمه اليوم كان ذلك حراما على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ).
يريد : سوى الميتة والدم ، فإنه لم يكن حلالا قط ، (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) وهو يعقوب عليهالسلام (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) ، يعني : ليس الأمر على ما قالوا من حرمة لحوم الإبل وألبانها على إبراهيم ، بل كان الكلّ حلالا له ولبني إسرائيل ، وإنما حرّمها إسرائيل على نفسه قبل نزول التوراة ، يعني : ليست في التوراة حرمتها.
__________________
ع [٤٠٤] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٢٩) عن أبي روق والكلبي بدون إسناد ، فلا حجة فيه ، وهو غير صحيح.
__________________
(١) في المطبوع «ماله».
(٢) في المخطوط «قال» والمثبت عن المطبوع و «شرح السنة».
(٣) زيد في المطبوع و ـ ط «أو قال» وليس في المخطوط و «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.