دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥) كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦))
قوله تعالى : (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤)) ، ذكر الملل والأديان واضطراب الناس فيها ، ثم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقول : (آمَنَّا بِاللهِ) الآية.
قوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ، نزلت في اثني عشر رجلا ارتدّوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفارا ، منهم الحارث بن سويد الأنصاري ، فنزلت فيهم : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥)).
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) ، لفظة استفهام ومعناه جحد ، أي : لا يهدي الله ، وقيل معناه : كيف يهديهم الله في الآخرة إلى الجنّة [ويعطيهم](١) الثواب [فيها](٢) ، (وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠))
(خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨)) ، وذلك أن الحارث بن سويد لمّا لحق بالكفار ندم فأرسل إلى قومه [بالمدينة](٣) ، أن سلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل لي من توبة ففعلوا ذلك ، فأنزل الله تعالى :
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)) ، لما كان منه ، فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه ، فقال الحارث : إنك والله ما (٤) علمت لصدوق ، وإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصدق منك وإن الله عزوجل لأصدق الثلاثة ، فرجع الحارث إلى المدينة فأسلم وحسن إسلامه.
قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) ، قال قتادة والحسن : نزلت في اليهود كفروا بعيسى عليهالسلام والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، وقال أبو العالية : نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم لمّا رأوه بعد إيمانهم بنعته وصفته في كتبهم (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) ، يعني : ذنوبا في حال كفرهم ، قال مجاهد : نزلت في جميع الكفار أشركوا بعد إقرارهم بأن الله خالقهم ، (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) ، أي : أقاموا على أمرهم (٥) [وما هم عليه من الكفر والطغيان](٦) حتى هلكوا عليه ، قال الحسن : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) كلما نزلت آية كفروا بها ، فازدادوا كفرا ، وقيل : (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بقولهم : نتربّص بمحمد ريب المنون ، قال الكلبي : نزلت في أحد عشر من أصحاب الحارث بن سويد ، لما رجع الحارث إلى الإسلام أقاموا هم على الكفر بمكة وقالوا :
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «فيما» والمثبت عن المخطوط و ـ ط و «أسباب النزول» ٢٢٥.
(٥) في المطبوع و ـ ط «كفرهم».
(٦) زيادة عن المخطوط.