إِصْرِي) ، أي : قبلتم على ذلكم عهدي ، والإصر : العهد الثقيل ، (قالُوا أَقْرَرْنا قالَ) ، الله تعالى : (فَاشْهَدُوا) أي : فاشهدوا أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم ، (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) ، عليكم وعليهم ، وقال ابن عباس : فاشهدوا ، أي : فاعلموا ، وقال سعيد بن المسيب : قال الله تعالى للملائكة فاشهدوا عليهم كناية عن غير مذكور.
(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣))
(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ) ، الإقرار ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، العاصون الخارجون عن الإيمان.
قوله عزوجل : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) ، وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فادّعى كل واحد أنه على دين إبراهيم عليهالسلام واختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقضى (١) النبيّ صلىاللهعليهوسلم [بينهم أن](٢) «كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم عليهالسلام» ، [وأن دينه الإسلام](٣) ، فغضبوا وقالوا : لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك ، فأنزل الله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) ، قرأ أهل البصرة وحفص عن عاصم (يَبْغُونَ) بالياء ؛ لقوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى : (لَما آتَيْتُكُمْ) ، (وَلَهُ أَسْلَمَ) : خضع وانقاد ، (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) ، فالطوع : الانقياد والاتّباع بسهولة ، والكره : ما كان بمشقّة وإباء من النفس ، واختلفوا في قوله : (طَوْعاً وَكَرْهاً) ، قال الحسن : أسلم أهل السموات طوعا وأسلم من في الأرض بعضهم طوعا وبعضهم كرها خوفا من السيف والسبي ، وقال مجاهد : طوعا المؤمن ، وكرها ذلك الكافر ، بدليل : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥)) [الرعد : ١٥] ، وقيل : هذا يوم الميثاق حين قال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، قال بعضهم : طوعا ، وبعضهم : كرها ، وقال قتادة : المؤمن أسلم طوعا فنفعه الإسلام (٤) ، والكافر أسلم كرها في وقت اليأس فلم ينفعه الإسلام ، قال الله تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر : ٨٥] ، وقال الشعبي : هو استعاذتهم به عند اضطرارهم ؛ كما قال الله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥] ، وقال الكلبي : طوعا الذي ولد في الإسلام ، وكرها الذين أجبروا على الإسلام ممن يسبى منهم فيجاء بهم في السلاسل ، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ، قرأ بالياء حفص عن عاصم ويعقوب كما قرأ (يَبْغُونَ) بالياء وقرأ الباقون بالتاء فيهما إلا أبو عمرو فإنه قرأ (يَبْغُونَ) بالياء وترجعون بالتاء ، قال : لأن الأول (٥) خاص والثاني عام ، لأن مرجع جميع الخلق إلى الله عزوجل.
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ
__________________
(١) في المطبوع «فقال».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيد في المخطوط «الإسلام» وفي المطبوع «الإيمان» وليس في ـ ط والطبري ٧٣٥١ و «الوسيط» (١ / ٤٥٩) و «الدر المنثور» (٢ / ٨٦)
(٥) في المطبوع «الأولى».