فيكون مردودا على البشر ، أي : ولا يأمر ذلك البشر ، [وقيل : على إضمار «أن» ، أي : ولا أن يأمركم ذلك البشر](١) ، وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف ، معناه : ولا يأمركم الله ، وقال ابن جريج وجماعة : ولا يأمركم محمد ، (أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) ، كفعل قريش والصابئين حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، واليهود والنصارى حيث قالوا في المسيح وعزير ما قالوا ، (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، قاله (٢) على طريق التعجّب والإنكار ، يعني : ولا يقول (٣) هذا.
قوله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) ، قرأ حمزة (لَما) بكسر اللام ، وقرأ الآخرون بفتحها ، فمن كسر اللام فهي لام الإضافة دخلت على ما الموصولة ، ومعناه : إن الذي يريد للذي آتيتكم ، أي : أخذ ميثاق النبيّين لأجل الذي آتاهم من الكتاب والحكمة وأنهم أصحاب الشرائع ، ومن فتح اللام معناه : للذي آتيتكم ، بمعنى الخبر ، وقيل : بمعنى الجزاء ، أي : لئن آتيتكم ومهما آتيتكم ، وجواب الجزاء ، قوله : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) ، قوله : (لَما آتَيْتُكُمْ) قرأ نافع وأهل المدينة «آتيناكم» على التعظيم ؛ كما قال : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) [النساء : ١٦٣] ، و (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم : ١٢] ، وقرأ الآخرون بالتاء لموافقة الخط ، ولقوله : (وَأَنَا مَعَكُمْ) ، واختلفوا في المعنى بهذه الآية : فذهب قوم إلى أن الله تعالى أخذ الميثاق على النبيّين خاصة أن يبلّغوا كتاب الله ورسالته إلى عباده ، وأن يصدّق بعضهم بعضا وأخذ العهود على كل نبيّ أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء ، وينصره إن أدركه ، وإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن أدركوه (٤) ، فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى ، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقال الآخرون : إنما (٥) أخذ الله الميثاق منهم في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، فعلى هذا اختلفوا فمنهم من قال : إنما أخذ الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل منهم النبيّين ، وهذا قول مجاهد والربيع ، ألا ترى إلى قوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) ، وإنما كان محمد صلىاللهعليهوسلم مبعوثا إلى أهل الكتاب دون النبيّين يدل عليه أن في قراءة عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب «وإذ أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتب» ، وإنّما القراءة المعروفة (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) ، فأراد : أن الله أخذ ميثاق النبيّين أن يأخذوا الميثاق إلى أممهم أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ويصدّقوه وينصروه ، إن أدركوه ، وقال بعضهم : أراد أخذ الله الميثاق على النبيّين ، وأممهم جميعا في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، فاكتفى بذكر الأنبياء [ذكر أممهم](٦) ؛ لأن العهد مع (٧) المتبوع عهد على الأتباع ، وهذا معنى قول ابن عباس ، وقال عليّ بن أبي طالب : لم يبعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه الميثاق والعهد في أمر محمد ، وأخذ العهد على قومه ليؤمنن به ، ولئن بعث وهم أحياء لنصرنّه (١) ، قوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) ، يعني : محمدا صلىاللهعليهوسلم ، (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) ، يقول الله تعالى للأنبياء حين استخرج الذريّة من صلب آدم عليهالسلام والأنبياء فيهم كالمصابيح والسّرج ، وأخذ عليهم الميثاق في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ
__________________
(١) في الآية الكريمة المتقدمة ، وهذه الأقوال رد وإبطال لما يزعمه بعضهم من كون إلياس عليهالسلام وكذا الخضر في عداد الأحياء ، وأنهما ما ماتا!!؟.
__________________
(١) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٢) في المطبوع «قالوا له».
(٣) في المطبوع «لا يقوله».
(٤) في المطبوع «أدركه».
(٥) في المطبوع و ـ ط «بما».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «على».