وعطاء : (ما كانَ لِبَشَرٍ) ، يعني : محمدا [صلىاللهعليهوسلم](أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ) ، أي : القرآن.
[م ٣٩١] وذلك أن أبا رافع القرظي من اليهود ، والرئيس من نصارى أهل نجران قالا : يا محمد تريد أن نعبدك ونتخذك ربّا ، فقال : معاذ الله أن آمر بعبادة غير الله ، ما بذلك أمرني الله ، وما بذلك بعثني ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (ما كانَ لِبَشَرٍ) ، أي : ما ينبغي لبشر ؛ كقوله تعالى : (ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) [النور : ١٦] ، أي : ما ينبغي لنا ، والبشر : جميع بني آدم لا واحد له من لفظه ، كالقوم والجيش (١) ، يوضع موضع الواحد والجمع ، (أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) ، الفهم والعلم ، وقيل : إمضاء الحكم عن الله عزوجل ، (وَالنُّبُوَّةَ) ، المنزلة الرفيعة بالإنباء ، (ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا) ، أي : ولكن يقول كونوا ، (رَبَّانِيِّينَ) ، واختلفوا فيه ، قال عليّ وابن عباس والحسن : كونوا فقهاء علماء ، وقال قتادة : حكماء علماء ، وقال سعيد بن جبير : العالم الذي يعمل بعلمه ، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس : فقهاء معلّمين ، وقيل : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، وقال عطاء : حكماء علماء نصحاء لله في خلقه ، قال أبو عبيدة : سمعت رجلا عالما يقول : الرباني العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي العارف بأنباء الأمة (٢) ما كان وما يكون ، وقيل : الربّانيون فوق الأحبار ، والأحبار فوق العلماء ، والربانيون الذين جمعوا مع العلم البصارة (٣) بسياسة الناس ، قال المؤرج :
كونوا ربانيين تدينون لربكم.
من (٤) الربوبية ، كان في الأصل ربّيّ ، فأدخلت الألف للتفخيم ، ثم أدخلت النون لسكون الألف ، كما قيل : صنعاني وبهراني (٥) ، وقال المبرد : هم أرباب العلم سمّوا به لأنهم يربون العلم ، ويقومون به ويربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها ، وكل من قام بإصلاح الشيء وإتمامه فقد ربّه يربه ، واحدها : ربان كما قالوا : ريان وعطشان وشبعان وغرثان ، ثم ضمّت إليه ياء النسبة ، كما يقال : الحياني ورقباني ، وحكي عن علي رضي الله عنه أنه قال : هو الذي يربي علمه بعمله (٦) ، قال محمد بن الحنفية يوم مات ابن عباس : اليوم مات ربانيّ هذه الأمة ، (بِما كُنْتُمْ) ، أي : بما أنتم ؛ كقوله تعالى : (مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم : ٢٩] ، أي : من هو في المهد ، (تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ) ، قرأ ابن عامر وعاصم [وحمزة](٧) والكسائي (تُعَلِّمُونَ) بالتشديد من التعليم ، وقرأ الآخرون تعلمون بالتخفيف من العلم ؛ كقوله : (وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) ، أي : تقرءون.
(وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١))
قوله : (وَلا يَأْمُرَكُمْ) ، قرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب بنصب الراء عطفا على قوله : ثم يقول ،
__________________
(١) تصحف في المخطوط إلى «الجنس».
(٢) في المخطوط «الإمامة».
(٣) في المطبوع «البصائر» وفي المخطوط «بالبصارة» والمثبت عن ـ ط.
(٤) في المخطوط «بمعنى» بدل «من» والمثبت عن المطبوع و ـ ط.
(٥) في المخطوط «نهراني».
(٦) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط على التقديم والتأخير.
(٧) زيادة عن المخطوط و ـ ط.