من يؤدي الأمانة وإن كثرت ، ومنهم من لا يؤدّيها وإن قلّت ، قال مقاتل : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) ، هم مؤمنو أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأصحابه ، (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) ، يعني : كفار اليهود ، ككعب بن الأشرف وأصحابه ، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عزوجل : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) ، يعني : عبد الله بن سلام ، أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأدّاها إليه ، (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) ، يعني : فنحاص بن عازوراء ، استودعه رجل من قريش دينارا فخانه [ولم يؤده إليه](١) ، قوله : (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) قرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة (يُؤَدِّهِ) ، و (لا يُؤَدِّهِ) و (وَنُصْلِهِ) [النساء : ١١٥] ، و (نُؤْتِهِ) [آل عمران : ١٤٥] ، و (نُوَلِّهِ) [النساء : ١١٥] ساكنة الهاء ، وقرأ أبو جعفر وقالون ويعقوب بالاختلاس كسرا ، والباقون بالإشباع كسرا ، فمن سكّن الهاء قال لأنها وضعت في موضع الجزم وهو الياء الذاهبة ، ومن اختلس فاكتفى بالكسرة عن الياء ، ومن أشبع فعلى الأصل ، لأن الأصل في الهاء الإشباع ، (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) ، قال ابن عباس ملحّا ، يريد يقوم عليه يطالبه بالإلحاح ، وقال الضحاك : مواظبا أي تواظب عليه بالاقتضاء ، وقيل : أراد [إن](٢) أودعته ثم استرجعته وأنت قائم على رأسه ولم تفارقه ردّه إليك ، فإن فارقته وأخّرته أنكره ولم يؤده ، (ذلِكَ) ، أي : ذلك الاستحلال والخيانة ، (بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) ، أي : في مال العرب إثم وحرج ؛ كقوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة : ٩١] ، وذلك بأن اليهود قالوا : أموال العرب حلال لنا ، لأنهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم في كتابنا ، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم ، وقال الكلبي : قالت اليهود إن الأموال كلها كانت لنا فما (٣) في يد العرب منها فهو لنا ، وإنما ظلمونا وغصبونا فلا سبيل علينا في أخذنا إياه منهم ، وقال الحسن وابن جريج ومقاتل : بايع اليهود رجالا من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا : ليس لكم علينا حق ، ولا عندنا قضاء لأنكم تركتم دينكم وانقطع العهد بيننا وبينكم ، وادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتبهم (٤) ، فكذّبهم الله عزوجل ، وقال عزّ من قائل : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، ثم قال ردّا عليهم :
(بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧))
(بَلى) ، أي : ليس كما قالوا بل عليهم سبيل ، ثم ابتدأ فقال : (مَنْ أَوْفى) [أي : ولكن من أوفى](٥) ، (بِعَهْدِهِ) ، أي : بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن وأداء الأمانة ، وقيل : الهاء في عهده راجعة إلى الموفي (وَاتَّقى) الكفر والخيانة ونقض العهد ، (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
[٣٩٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا
__________________
[٣٩٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، سفيان هو ابن سعيد الثوري ، والأعمش اسمه سليمان بن مهران ، مسروق
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) تصحف في المطبوع إلى «فيما».
(٤) في المخطوط «كتابهم».
(٥) زيد في المطبوع و ـ ط.