لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ، أي : لئلّا تضلّوا ، يقول (١) : لا تصدّقوهم لئلا يعلموا مثل ما علمتم فيكون لكم الفضل عليهم في العلم (٢) ، ولئلا يحاجّوكم عند ربكم فيقولوا : عرفتم أن ديننا حق ، وهذا معنى قول ابن جريج ، وقرأ الحسن والأعمش «إن يؤتى» بكسر الألف ، فيكون قول اليهود تامّا عند قوله : إلا لمن تبع دينكم ، وما بعده من قول الله تعالى ، يقول : قل يا محمد (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) «إن يؤتى» إن بمعنى : الجحد ، أي : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ، يعني : إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولوا : نحن أفضل منكم ، فقوله عزوجل : (عِنْدَ رَبِّكُمْ) ، أي : عند فعل ربكم بكم [ذلك] ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبي ومقاتل. وقال الفراء : ويجوز أن يكون (أَوْ) بمعنى حتى ؛ كما يقال : تعلق به أو يعطيك حقك ، ومعنى الآية : ما أعطي أحد مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدين والحجّة حتى يحاجّوكم عند ربكم! وقرأ ابن كثير «آن يؤتى» بالمدّ على الاستفهام ، وحينئذ يكون فيه اختصار تقديره : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ولا تؤمنون به ، هذا قول قتادة والربيع ، قالا : هذا من قول الله تعالى ، يقول : قل لهم يا محمد إن الهدى هدى الله بأن أنزل كتابا مثل كتابكم وبعث نبيّا حسدتموه وكفرتم به ، (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ، قوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ، وتكون (أَوْ) بمعنى «أن» ، لأنهما حرفا شرط وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر ، أي : وإن يحاجّوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم ، فقل يا محمد إن الهدى هدى الله ونحن عليه ، ويجوز أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين ، ويكون نظم الآية : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين حسدوكم ، فقل : إن الفضل بيد الله ، وإن حاجّوكم ، فقل : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) ، ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقوله تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا) من كلام الله يثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم ، يقول : لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع (٣) دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والدين والفضل ، ولا تصدّقوا أن يحاجوكم في دينكم عند ربكم أو (٤) يقدروا على ذلك ، فإن الهدى هدى الله ، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ، فتكون الآية كلها خطاب الله للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلّا يرتابوا.
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥))
قوله : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) ، أي : بنبوّته (مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.).
قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) الآية ، نزلت في اليهود أخبر الله تعالى أن فيهم أمانة وخيانة ، والقنطار عبارة عن المال الكثير ، والدينار عبارة عن المال القليل ، يقول منهم
__________________
(١) في المطبوع «يقولون».
(٢) في المخطوط «القبلة».
(٣) في المطبوع «لمن اتبع».
(٤) في المطبوع «أي».