(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) ، قرأ (١) الحسن وحفص بالياء (٢) ، والباقون بالنون ، أي : نوفي (٣) أجور أعمالهم ، (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ، أي : لا يرحم الكافرين ولا يثني عليهم بالجميل.
(ذلِكَ) ، أي : هذا الذي ذكرت (٤) من الخبر عن عيسى ومريم والحواريين (نَتْلُوهُ عَلَيْكَ) ، يعني : نخبرك به بتلاوة جبريل عليك ، (مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) ، يعني : القرآن [و](٥) الذكر ذي الحكمة ، وقال مقاتل : الذكر الحكيم ، أي : المحكم الممنوع من الباطل ، وقيل : الذكر الحكيم : هو اللوح المحفوظ ، وهو معلق بالعرش من درة بيضاء ، وقيل : من الآيات ، أي : من العلامات الدالّة على نبوتك لأنها أخبار لا يعلمها إلا قارئ كتاب [الله](٦) أو من يوحى إليه وأنت أمّي لا تقرأ.
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) الآية :
ع [٣٨٩] نزلت في وفد نجران ، وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما لك تشتم صاحبنا ، قال : «وما أقول؟» قالوا : تقول إنه عبد الله ، قال : «أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول» ، فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية :
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ) ، في كونه خلقه من غير أب (كَمَثَلِ آدَمَ) لأنه خلق من غير أب وأم ، (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ) ، يعني : لعيسى عليهالسلام ، (كُنْ فَيَكُونُ) ، يعني : فكان ، فإن قيل : ما معنى قوله (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، ولا تكوين بعد الخلق ، قيل : معناه خلقه ثم أخبركم أني قلت له كن فكان من غير ترتيب في الخلق كما يكون في الولادة ، وهو مثل قول الرجل : أعطيتك اليوم درهما ثم أعطيتك أمس درهما ، أي : ثم أخبرك (٧) أني أعطيتك أمس درهما ، وفيما سبق من التمثيل دليل على جواز القياس ، لأن القياس : هو ردّ فرع إلى أصل بنوع شبه ، وقد ردّ الله تعالى خلق عيسى إلى آدم عليهمالسلام بنوع شبه.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١))
. قوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ، [أي : هو الحق](٨) ، وقيل : جاءك الحق من ربك ، (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ، أي : الشاكّين ، الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمراد أمّته.
قوله عزوجل : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) ، أي : جادلك في أمر عيسى أو في الحق ، (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ
__________________
ع [٣٨٩] ـ أخرجه الطبري ٧١٥٦ من حديث ابن عباس وإسناده ضعيف ، فيه عطية العوفي وهو ضعيف.
لكن ورد مرسلا من وجوه فقد أخرجه الطبري ٧١٥٨ عن قتادة مرسلا و ٧١٥٩ عن السدي ٧١٥٦٠ عن عكرمة. وانظر ما بعده.
__________________
(١) زيد في المطبوع «ورش».
(٢) قرأ حفص «فيوفيهم» وقرأ رويس «فيوفيهم». وقرأ روح «فنوفيهم» والباقون «فنوفيهم».
(٣) في المطبوع «يوفيهم».
(٤) في المطبوع «ذكرته لك».
(٥) كذا في المطبوع و ـ ط وفي المخطوط «أي» بدل «و».
(٦) زيد في المطبوع وهو مثبت في «الوسيط» (١ / ٤٤٢)
(٧) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «أخبرتك».
(٨) سقط من المخطوط.