رجل من القوم : أنا يا نبيّ الله ، فقتل ذلك الرجل ، ومنع الله عيسى عليهالسلام ، ورفعه إليه وكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب ، وطار مع الملائكة [الكرام](١) ، فهو معهم حول العرش ، وصار (٢) إنسيا ملكيا سمائيا أرضيا ، قال أهل التواريخ (٣) : حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة ، وولدت عيسى ببيت لحم من أرض أوري شلم لمضي خمس وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل ، وأوحى الله إليه على رأس ثلاثين سنة ، ورفعه إليه (٤) من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فكانت نبوّته ثلاث سنين ، وعاشت أمّه بعد رفعه ست سنين ، [فتوفيت مريم عليهاالسلام وهي بنت اثنتين وخمسين سنة](٥).
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥))
. (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) ، اختلفوا في معنى (٦) التوفي هاهنا ، قال الحسن والكلبي وابن جريج : إني قابضك ورافعك من الدنيا إليّ من غير موت ، يدلّ عليه قوله تعالى : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) [المائدة : ١١٧] ، أي : قبضتني إلى السماء وأنا حي ، لأن قومه إنما تنصّروا بعد رفعه لا بعد موته ، فعلى هذا للتوفي تأويلان أحدهما : إني رافعك إليّ وافيا لم ينالوا منك شيئا ، من قولهم : توفيت كذا واستوفيته إذا أخذته تامّا ، والآخر : إني متسلمك (٧) ، من قولهم توفيت منه كذا ، أي : تسلّمته ، وقال الربيع بن أنس : المراد بالتوفي النوم ، وكان عيسى قد نام فرفعه الله نائما إلى السماء ، معناه إني منيمك ورافعك إليّ ؛ كما قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام : ٦٠] ، أي : ينيمكم بالليل ، وقال بعضهم : المراد بالتوفي الموت ، وروى علي بن [أبي](٨) طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ معناه : إني مميتك يدلّ عليه قوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) [السجدة : ١١] ، فعلى هذا له تأويلان أحدهما ما قاله وهب [بن منبه](٩) : توفّى الله عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم أحياه ثم رفعه الله إليه ، وقال محمد بن إسحاق : إن النصارى يزعمون أن الله تعالى توفاه سبع ساعات من النهار ، ثم أحياه ورفعه إليه ، والآخر : ما قاله الضحاك وجماعة : أنّ في هذه الآية تقديما وتأخيرا معناه : إني رافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالك من السماء.
[٣٨٧] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح أخبرنا أبو القاسم
__________________
[٣٨٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، حيث تفرد عن علي بن الجعد دون مسلم ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
ـ وهو في «شرح السنة» (٤١٧٠) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق أبي القاسم البغوي وهو في «الجعديات» (٢٩٧٣) بهذا الإسناد.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط و ـ ط «وكان» والمثبت أقرب سياقا.
(٣) في المطبوع «التاريخ».
(٤) في المطبوع «الله».
(٥) زيد في المطبوع وحده.
(٦) في المطبوع «بعض» وهو تصحيف.
(٧) في المخطوط «مستلمك».
(٨) زيادة عن كتب التراجم.
(٩) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».