من وفّى بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنّة».
قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ، قال الكلبي : نزلت [هذه الآية](١) في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام ، أي : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) ، يعني : بيان نعته في كتبهم ، وقال الربيع بن أنس : إن موسى عليهالسلام لمّا حضره الموت دعا سبعين رجلا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة واستخلف يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين ، حتى أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشرّ والاختلاف وذلك من بعد ما جاءهم العلم ، يعني بيان ما في التوراة ، (بَغْياً بَيْنَهُمْ) ، أي : طلبا للملك والرئاسة فسلّط الله عليهم الجبابرة ، وقال محمد بن جعفر بن الزبير : نزلت [هذه الآية](٢) في نصارى نجران ومعناها (٣) : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ، يعني : الإنجيل في أمر عيسى عليهالسلام ، وفرّقوا القول فيه ، إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الله واحد ، وأن عيسى عبده ورسوله (بَغْياً بَيْنَهُمْ) ، أي : للمعاداة والمخالفة ، (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠))
قوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ) ، أي : خاصموك يا محمد في الدين ، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا : ألسنا [على](٤) ما سمّيتنا به يا محمد وإنما اليهودية والنصرانية نسب ، والدين هو الإسلام ونحن عليه؟ فقال الله تعالى : (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) ، أي : انقدت لله وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي ، وإنما خصّ الوجه لأنه أكرم الجوارح للإنسان ، وفيه بهاؤه فإذا خضع وجهه للشيء فقد خضع له جميع جوارحه. وقال الفراء : معناه أخلصت عملي لله ، (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) ، أي : ومن اتّبعني فأسلم كما أسلمت ، وأثبت نافع وأبو عمرو الياء في قوله تعالى : «اتبعني» على الأصل وحذفها الآخرون على الخط لأنها (٥) في المصحف بغير ياء ، وقوله : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ) ، يعني : العرب (أَأَسْلَمْتُمْ) ، لفظه استفهام ومعناه أمر ، أي : وأسلموا ، كما قال : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] ، أي : انتهوا ، (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) ، فقرأ (١) رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية فقال أهل الكتاب : أسلمنا ، فقال لليهود : أتشهدون أن عزيزا عبده ورسوله؟ فقالوا : معاذ الله [أن يكون عزيز عليهالسلام عبدا](٦) ، وقال للنصارى : أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله؟ قالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبدا ، فقال الله عزوجل : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) ، أي : تبليغ الرسالة ، وليس عليك الهداية ، (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ، عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ
__________________
(١) لم أره مسندا.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد لفظ «معناها» في المطبوع و ـ ط.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «الخطأ لأنها».
(٦) سقط من المخطوط.