عددا يسيرا أقلّ من أنفسهم ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين؟ قال أراهم مائة (١). وقال بعضهم : الرؤية راجعة إلى المشركين ، يعني : يرى المشركون المسلمين مثليهم ، قلّلهم الله قبل القتال في أعين المشركين ليجترئ (١) المشركون عليهم ، ولا ينصرفوا [عنهم](٢) ، فلما أخذوا في القتال كثّرهم [الله](٣) في أعين المشركين ، ليجبنوا ، وقلّلهم في أعين المؤمنين ليجترءوا [عليهم](٤) ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال : ٤٤]. قوله تعالى : (رَأْيَ الْعَيْنِ) ، أي : في رأي العين ، نصب بنزع حرف الصفة ، (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ) ، [أي : في](٥) الذي ذكرت ، (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) ، لذوي العقول ، وقيل : لمن أبصر الجمعين.
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤))
قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) ، جمع شهوة ، وهي ما تدعو النفس إليه ، (مِنَ النِّساءِ) ، بدأ بهنّ لأنهنّ حبائل الشيطان ، (وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ) ، جمع قنطار ، واختلفوا فيه ، فقال الربيع بن أنس : القنطار المال الكثير بعضه على بعض ، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : القنطار ألف ومائتا أوقية (٦). وقال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك : ألف ومائتا مثقال ، وعنهما رواية أخرى : اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار ، دية أحدكم. وعن الحسن قال : القنطار دية أحدكم ، وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مائة ألف ومائة من (٧) ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم ، ولقد جاء الإسلام وبمكة مائة رجل قد قنطروا. وقال سعيد بن المسيب وقتادة : ثمانون ألفا. وقال مجاهد : سبعون ألفا. وعن السدي قال : أربعة آلاف مثقال ، وقال الحكم : القنطار ما بين السماء والأرض من مال ، وقال أبو نضرة (٨) : ملء مسك ثور ذهبا أو فضة. وسمّي قنطارا من الإحكام ، يقال : قنطرت الشيء إذا أحكمته ، ومنه سمّيت القنطرة. قوله تعالى : (الْمُقَنْطَرَةِ) ، قال الضحاك : المحصّنة المحكمة ، وقال قتادة : هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض. وقال يمان [بن رباب](٩) : هي المدفونة. وقال السدي : [هي](١٠) المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير. وقال الفراء : المضعّفة. فالقناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسعة ، (مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) ، قيل : سمّي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى ، والفضة فضة لأنها تنفض ، أي : تتفرّق ، (وَالْخَيْلِ) :
الخيل جمع لا واحد له من لفظه ، واحدها فرس ، كالقوم والنساء ونحوهما ، (الْمُسَوَّمَةِ) قال مجاهد : هي المطهمة الحسان. وقال عكرمة : تسويمها حسنها ، وقال سعيد بن جبير : هي الراعية ، يقال : أسام الخيل
__________________
(١) ستأتي هذه الروايات في سورة الأنفال إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) في المخطوط «فيجترءوا». وليس فيه «المشركون».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع «لكل أوقية أربعين درهما» وهذه الزيادة ليست في المخطوط وط ـ ولا في «الدر المنثور» و «تفسير الطبري».
(٧) في المخطوط «مد».
(٨) في المطبوع «نصرة».
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) زيد في المطبوع.