«يا معشر اليهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل بكم مثل ما نزل بهم ، فقد عرفتم أني نبيّ مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم» ، فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم (١) فرصة ، وإنا والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني اليهود. (سَتُغْلَبُونَ) : تهزمون في الدنيا في قتالكم محمّدا (وَتُحْشَرُونَ) في الآخرة (إِلى جَهَنَّمَ) ، (وَبِئْسَ الْمِهادُ) : الفراش (٢) ، أي : بئس ما مهد لهم ، يعني : النار.
قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) ، ولم يقل [قد] كانت ، والآية مؤنثة لأنه ردّها إلى البيان ، أي : قد كان [لكم](٣) بيان ، فذهب إلى المعنى ، وقال الفراء : إنما ذكر لأنه حالت (٤) الصفة بين الفعل والاسم المؤنث فذكر الفعل ، وكل ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه ، فمعنى الآية : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) ، أي : عبرة ودلالة على صدق ما أقول إنكم (٥) ستغلبون ، (فِي فِئَتَيْنِ) : فرقتين ، وأصلها فيء (٦) الحرب ، لأن بعضهم يفيء إلى بعض ، (الْتَقَتا) ، يوم بدر ، (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، طاعة الله ، وهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الأنصار ، وصاحب راية المهاجرين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ، وكان فيهم سبعون بعيرا وفرسان فرس للمقداد بن عمرو ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد ، وأكثرهم رجّالة وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف. قوله تعالى : (وَأُخْرى كافِرَةٌ) ، أي : فرقة أخرى كافرة ، هم مشركو مكة وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا من المقاتلة ، رأسهم (٧) عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وفيهم مائة فرس ، وكانت حرب بدر أول مشهد شهده رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) ، قرأ أهل المدينة ويعقوب بالتاء ، يعني : ترون يا معشر اليهود أهل مكة مثلي (٨) عدد المسلمين ، وذلك أن جماعة من اليهود كانوا حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة فرأوا المشركين مثلي عدد المسلمين ورأوا النصر مع ذلك للمسلمين ، فكان ذلك معجزة وآية ، وقرأ الآخرون بالياء ، واختلفوا في وجهه ، فجعل بعضهم الرؤية للمسلمين ، ثم له تأويلان ، أحدهما : يرى المسلمون المشركين مثليهم كما هم ، فإن قيل : كيف قال (مِثْلَيْهِمْ) وهم كانوا ثلاثة أمثالهم (٩)؟ قيل : هذا مثل قول الرجل وعنده درهم : أنا أحتاج إلى مثلي (١٠) هذا الدرهم ، يعني : إلى مثليه سواه (١١) ، فيكون ثلاثة دراهم. والتأويل الثاني هو الأصح : كان المسلمون يرون المشركين مثلي عدد أنفسهم قلّلهم الله تعالى في أعينهم حتى رأوهم ستمائة وستة وعشرين ، ثم قلّلهم الله في أعينهم في حالة أخرى ، حتى رأوهم مثل عدد أنفسهم. قال ابن مسعود رضي الله عنه : نظرنا إلى المشركين فرأيناهم [يضعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم](١٢) ، يزيدون [علينا](١٣) رجلا واحدا ، ثم قلّلهم الله تعالى أيضا في أعينهم حتى رأوهم
__________________
(١) في المطبوع «منهم».
(٢) زيد في المطبوع «أي».
(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٤) في المخطوط «جالت القصة».
(٥) في المخطوط و ـ ط «أنكم».
(٦) في المطبوع «أفيء» وفي المخطوط «في» والمثبت عن ـ ط.
(٧) في المخطوط و ـ ط «رأسهم».
(٨) في المطبوع «مثل».
(٩) في المطبوع «أمثال».
(١٠) في المخطوط «مثل».
(١١) في المطبوع «سواء».
(١٢) سقط من المخطوط.
(١٣) زيادة عن المخطوط.