وعطاء ، وهو مذهب سفيان ، قالوا : إذا لم يكن للصبي مال ينفق عليه أجبرت عصبته الذين يرثونه على أن يسترضعوه ، وقيل : هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء ، وهو قول قتادة وابن أبي ليلى ، ومذهب أحمد وإسحاق ، وقالوا : يجبر على نفقته كل وارث قدر ميراثه ، عصبة (١) كانوا أو غيرهم ، وقال بعضهم : هو من كان ذا رحم محرم من ورثة المولود ، فمن ليس بمحرم مثل ابن العم والمولى ، فغير مراد بالآية ، وهو قول أبي حنيفة رحمهالله ، وذهب جماعة إلى أن المراد بالوارث هو الصبي نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى ، تكون أجرة رضاعه ونفقته في ماله ، فإن لم يكن له مال فعلى الأم ، ولا يجبر على نفقة الصبي إلا الوالدان ، وهو قول مالك والشافعي رحمهماالله ، وقيل : هو الباقي من والدي المولود ، بعد وفاة الآخر عليه ، مثل الذي (٢) كان على الأب من أجرة الرضاع والنفقة والكسوة ، وقيل : ليس المراد منه النفقة بل معناه وعلى الوارث ترك المضارة ، وبه قال الشعبي والزهري ، (فَإِنْ أَرادا) ، يعني : الوالدين ، (فِصالاً) ، [أي] : فطاما ، قبل (٣) الحولين (عَنْ تَراضٍ مِنْهُما) ، أي : اتفاق [من] الوالدين ، (وَتَشاوُرٍ) ، أي : يشاورون أهل العلم به حتى يخبروا أن الفطام في ذلك الوقت لا يضرّ بالولد ، والمشاورة استخراج الرأي ، (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) ، أي : لا حرج عليهما في الفطام قبل الحولين ، (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) ، أي : لأولادكم مراضع غير أمّهاتهم إذا أبت أمهاتهم إرضاعهم ، أو تعذّر لعلة بهنّ أو انقطاع لبن أو أردن النكاح ، (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ) ، إلى أمهاتهم ، (ما آتَيْتُمْ) ، ما سمّيتم لهن من أجرة الرضاع [أو] بقدر ما أرضعن ، وقيل : إذا سلّمتم أجور المراضع إليهن ، (بِالْمَعْرُوفِ) ، قرأ ابن كثير (ما آتَيْتُمْ) [وفي الروم : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) [الروم : ٣٩] بقصر الألف ، ومعناه : [ما فعلتم ، يقال : أتيت جميلا إذا فعلته ، فعلى هذه القراءة يكون التسليم بمعنى](٤) الطاعة والانقياد لا بمعنى تسليم الأجرة ، يعني : إذا سلّمتم لأمره وانقدتم لحكمه ، وقيل : إذا سلمتم للاسترضاع (٥) عن تراض وإنفاق دون الضرار ، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) ، أي : يموتون وتتوفى (٦) آجالهم ، وتوفى واستوفى بمعنى واحد ، ومعنى التوفي : أخذ الشيء وافيا ، (وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) : يتركون أزواجا ، (يَتَرَبَّصْنَ) : ينتظرون ، (بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ، أي : يعتدون بترك الزينة والطيب والنقلة (٧) على فراق أزواجهن هذه المدّة ، إلا أن يكن حوامل فعدّتهن بوضع الحمل ، وكانت عدّة الوفاة في الابتداء حولا كاملا ؛ لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) [البقرة : ٢٤٠] ، ثم نسخت بأربعة أشهر وعشرا ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : كانت هذه العدة يعني أربعة أشهر وعشرا واجبة عند أهل زوجها ، فأنزل الله تعالى : (مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) ، فجعل لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو [معنى](٨) قول الله عزوجل : (غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ
__________________
(١) في المطبوع «عصبته».
(٢) في المطبوع «ما» بدل «الذي».
(٣) في المطبوع «قيل».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) في المخطوط «الاسترضاع».
(٦) في المطبوع «ويتوفى».
(٧) في المخطوط «التفكه» والمثبت هو الصواب كما في الطبري ٥٠٩٢ والمراد بالنّقلة : الانتقال من البيت إلى آخر.
(٨) زيادة من المخطوط.