قوله تعالى : (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ، أي : انتظار أربعة أشهر ، والتربّص : التثبّت والتوقّف ، (فَإِنْ فاؤُ) : رجعوا عن اليمين بالوطء ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، وإذا وطئ خرج (١) عن الإيلاء ، وتجب عليه [كفارة اليمين](٢) عند أكثر أهل العلم ، وقال الحسن وإبراهيم النخعي وقتادة : لا كفارة عليه لأن الله تعالى وعد بالمغفرة ، فقال : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، وذلك عند الأكثرين في إسقاط (٣) العقوبة لا في الكفارة ، ولو قال لزوجته : إن قربتك فعبدي حرّ أو ضربتك (٤) فأنت طالق ، أو لله عليّ عتق رقبة أو صوم أو صلاة ، فهو مول لأن المولي من يلزمه أمر بالوطء ويوقف بعد مضيّ المدة ، فإن فاء يقع الطلاق أو العتق المعلّق به ، وإن التزم في الذمة يلزمه كفارة اليمين في قول ، وفي قول : يلزمه ما التزم في ذمّته من الإعتاق أو الصلاة أو الصوم.
(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨))
(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) ، أي : حقّقوه بالإيقاع ، (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) : لقولهم ، (عَلِيمٌ) : بنيّاتهم ، وفيه دليل على أنها لا تطلّق بعد مضي المدة ما لم يطلّقها زوجها ، لأنّه شرط فيه العزم ، وقال : (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، فدلّ على أنه يقتضي مسموعا ، والقول هو الذي يسمع.
قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ) ، أي : المخليات (٥) من حبال أزواجهن ، (يَتَرَبَّصْنَ) : ينتظرن ، (بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ، فلا يتزوجن ، والقروء : جمع قرء مثل فرع ، وجمعه القليل : أقرؤ ، والجمع الكثير : أقراء ، واختلف أهل العلم في القرء فذهب جماعة إلى أنها الحيض ، وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس ، وبه قال الحسن ومجاهد ، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي ، واحتجّوا بأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال للمستحاضة :
ع [٢٥٤] : «دعي الصلاة أيام أقرائك».
__________________
ع [٢٥٤] ـ ضعيف. أخرجه الدار قطني (١ / ٣١٢) عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش ... الحديث وهو معلول.
قال الدار قطني : قال يحيى بن سعيد : الثوري أعلم الناس بهذا ، زعم أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا ، ونقل الآبادي في «التعليق المغني» عن البيهقي في «المعرفة» قوله : حديث حبيب بن أبي ثابت ضعفه يحيى القطان وعلي المديني وابن معين ، وكذا الثوري ا ه. ملخصا.
ولو صح هذا اللفظ لكان فيصلا في هذه المسألة إلا أن عدم ثبوته جعل الناس مختلفين في شأن «القرء» هل المراد الطهر أو الحيض والله تعالى أعلم ، وقد صح هذا الخبر موقوفا كما رجح غير واحد.
ـ وأصل الخبر في «الصحيح» دون لفظ «أقرائك».
أخرجه البخاري ٢٢٨ و ٣٠٦ و ٣٢٠ و ٣٣١ ومسلم ٣٣٣ وأبو داود ٢٨٢ والترمذي ١٢٥ والنسائي (١ / ٨١) و (٨٥ و ١٨٦) ومالك (١ / ٦١) والشافعي (١ / ٣٩ ـ ٤٠) وعبد الرزاق ١١٦٥ وابن أبي شيبة (١ / ١٢٥) والدارمي (١ / ١٩٩
__________________
(١) في المطبوع «في الفرج» بدل «خرج».
(٢) في المخطوط «الكفارة».
(٣) في المطبوع «سقوط».
(٤) في المخطوط «ضرتك» وليس فيه «فأنت».
(٥) في المخطوط «الخليات».