أنا عبد الواحد بن زياد أنا أفلت بن خليفة قال : حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت : سمعت عائشة تقول :
جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال : «وجّهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحلّ المسجد لحائض ولا جنب».
قوله تعالى : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، قرأ عاصم برواية أبي بكر وحمزة والكسائي بتشديد الطاء والهاء ، يعني (١) : يغتسلن ، وقرأ الآخرون بسكون الطاء وضم الهاء مخففا ، ومعناه : حتى يطهرن من الحيض ولينقطع دمهن ، (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ، يعني : اغتسلن ، (فَأْتُوهُنَ) ، أي : فجامعوهن ، (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) ، أي : من حيث أمركم أن تعتزلوهن منه وهو الفرج ، قاله مجاهد وقتادة وعكرمة ، وقال ابن عباس : طئوهنّ في الفرج ولا تعدوه إلى غيره ، أي : اتّقوا الأدبار ، وقيل : من حيث بمعنى في حيث أمركم الله تعالى وهو الفرج ؛ كقوله عزوجل : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) [الجمعة : ٩] ، أي : في يوم الجمعة ، وقيل : فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله أن تأتوهن [فيه] وهو الطهر ، وقال ابن الحنفية : من قبل الحلال دون الفجور ، وقيل : لا تأتوهن صائمات ولا معتكفات ولا محرمات ، وأتوهن وغشيانهن لكم (٢) حلال ، واعلم أنه لا يرتفع تحريم شيء مما منعه الحيض بانقطاع الدم ما لم تغتسل أو تتيمّم عند عدم الماء إلا تحريم الصوم ، فإن الحائض إذا انقطع دمها بالليل ونوت الصوم فوقع غسلها بالنهار صحّ صومها ، والطلاق في حال الحيض يكون بدعيا وإذا طلّقها بعد انقطاع الدم قبل الغسل لا يكون بدعيا ، وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهي عنده عشرة أيام يجوز للزوج غشيانها قبل الغسل ، وقال مجاهد (٣) وطاوس : إذا غسلت فرجها يجوز للزوج غشيانها قبل الغسل. وأكثر أهل العلم على التحريم ما لم تغتسل أو تتيمّم عند عدم الماء ؛ لأن الله تعالى علّق جواز وطئها بشرطين : بانقطاع الدم والغسل ، (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، يعني : من الحيض ، (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ، يعني : اغتسلن فأتوهن ، ومن قرأ يطهرن بالتشديد فالمراد من [ذلك] الغسل ؛ كقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة : ٦] ، أي : اغتسلوا ، فدلّ على أن قبل الغسل لا يحلّ الوطء ، قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ، قال عطاء ومقاتل بن سليمان والكلبي : يحب التوابين من الذنوب ويحب المتطهرين بالماء من الأحداث والنجاسات ، وقال مقاتل بن حيان : يحب التوابين من الذنوب والمتطهرين من الشرك ، وقال سعيد بن جبير : التوابين من الشرك والمتطهرين من الذنوب ، وقال مجاهد : التوابين من الذنوب لا يعودون فيها والمتطهرين منها لم يصيبوها ، والتواب الذي كلما أذنب تاب ، نظيره قوله تعالى : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) [الإسراء : ٢٥].
__________________
راويه أفلت مجهول الحال ، وأما قول ابن رفعة : متروك. فهذا مردود فقد قال أحمد : أفلت ما أرى به بأسا والحديث صححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان ا ه.
قلت : وكذا حسنه الزيلعي في «نصب الراية» (١ / ١٩٤) وابن القطان وذكر الزيلعي كلاما طويلا لابن القطان وحاصله أن أفلت قال أبو حاتم عنه : شيخ. وقال أحمد : ما أرى به بأسا ا ه.
وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (١ / ١٦٧).
__________________
(١) في المطبوع «حتى».
(٢) في المخطوط «وغشيانكم لهن».
(٣) زيد في المطبوع «وعطاء».