وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، والمذكورون في القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون نبيا ، (مُبَشِّرِينَ) : بالثواب من آمن وأطاع ، (وَمُنْذِرِينَ) : محذّرين بالعقاب من كفر وعصى ، (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) ، أي : الكتب ، تقديره : [وأنزل مع كل واحد منهم](١) الكتاب (بِالْحَقِ) : بالعدل والصدق ، (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) ، قرأ أبو جعفر (لِيَحْكُمَ) بضم الياء وفتح الكاف هاهنا ، وفي أول آل عمران وفي النور موضعين ، لأن الكتاب لا يحكم في الحقيقة إنما يحكم به ، وقراءة العامة بفتح الياء وضمّ الكاف ، أي : ليحكم الكتاب ، ذكره على سعة الكلام ؛ كقوله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية : ٢٩] ، وقيل : معناه ليحكم كل نبيّ بكتابه ، (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) ، أي : في الكتاب (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) ، أي : أعطوا الكتاب ، (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) ، يعني : أحكام التوراة والإنجيل ، قال الفراء : ولاختلافهم معنيان : أحدهما كفر بعضهم بكتاب بعض ، قال الله تعالى : (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠] ، والآخر : تحريفهم كتاب الله ، قال الله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النساء : ٤٦] ، وقيل : الآية راجعة إلى محمد صلىاللهعليهوسلم وكتابه ، اختلف فيه أهل الكتاب (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) ، صفة محمد صلىاللهعليهوسلم في كتبهم ، (بَغْياً) ظلما وحسدا (بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) ، أي : إلى ما اختلفوا فيه ، (مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) ، بعلمه وإرادته فيهم ، قال ابن زيد في هذه الآية : اختلفوا في القبلة فمنهم من يصلّي إلى المشرق ومنهم من يصلّي إلى المغرب ، ومنهم من يصلّي إلى بيت المقدس ، فهدانا الله إلى الكعبة ، واختلفوا في الصيام [فمنهم من كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، ومنهم من يصوم يوم عاشوراء](٢) ، فهدانا الله لشهر رمضان ، واختلفوا في الأيام ، فأخذت اليهود السبت ، والنصارى الأحد ، فهدانا الله للجمعة ، واختلفوا في إبراهيم عليهالسلام ، فقالت اليهود : كان يهوديا ، وقالت النصارى : كان نصرانيا ، فهدانا الله للحق من ذلك ، واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية (٣) ، وجعلته النصارى إلها ، فهدانا الله للحق فيه ، (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (٢١٤))
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) ، قال قتادة والسدي : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدّة الخوف والبرد وضيق العيش وأنواع الأذى ؛ كما قال الله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ١٠] ، وقيل : نزلت في حرب أحد ، وقال عطاء : لما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه المدينة ، اشتدّ عليهم الضر لأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين ، وآثروا رضا الله ورسوله ، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأسرّ قوم النفاق ، فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم (أَمْ حَسِبْتُمْ) ، معناه : أحسبتم والميم صلة قاله الفراء ، وقال الزجاج : بل حسبتم ، ومعنى الآية : أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنّة ، (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) ، أي : ولم يأتكم وما صلة (مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا) ، شبه الذين مضوا ، (مِنْ قَبْلِكُمْ) : من النبيين (٤) والمؤمنين ، (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ) : الفقر والشدّة والبلاء ، (وَالضَّرَّاءُ) : المرض والزمانة ، (وَزُلْزِلُوا) ، أي : حركوا بأنواع البلايا والرزايا
__________________
(١) العبارة في المخطوط [وأنزل لكل واحد الكتاب].
(٢) زيادة عن المخطوط ، ويدل عليها سياق الطبري ٤٠٦٤ و «الدر المنثور» (١ / ٤٣٦)
(٣) تصحف في المطبوع إلى «الفرية».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.