ويده على جراحته وهي تبض دما اللون لون الدم والريح ريح المسك ، فحمله الزبير على فرسه وسارا ، فانتبه الكفار وقد فقدوا خبيبا فأخبروا قريشا فركب منهم سبعون فلما لحقوهما قذف الزبير خبيبا فابتلعته الأرض ، فسمي بليع الأرض ، فقال الزبير : ما جرأكم علينا يا معشر قريش ، ثم رفع العمامة عن رأسه وقال : أنا الزبير بن العوام وأمي صفية بنت عبد المطلب ، وصاحبي المقداد بن الأسود أسدان رابضان يدفعان عن سبيلهما (١) ، فإن شئتم ناضلتكم وإن شئتم نازلتكم ، وإن شئتم انصرفتم ، فانصرفوا إلى مكة وقدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجبريل عنده ، فقال : يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين [الرجلين] من أصحابك فنزل في الزبير والمقداد بن الأسود : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ، حين شريا أنفسهما بإنزال خبيب عن خشبته.
ع [٢١٣] وقال أكثر المفسرين : نزلت في صهيب بن سنان الرومي ، حين أخذه المشركون في رهط من المؤمنين ، فعذّبوهم فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير لا يضرّكم أمنكم كنت أم من غيركم ، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني ففعلوا ، وكان شرط عليهم راحلة ونفقة فأقام بمكّة ما شاء الله ، ثم خرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال ، فقال له أبو بكر : ربح بيعك أبا يحيى ، فقال له صهيب : وبيعك فلا تخسر (٢) ، قال صهيب : ما ذاك؟ فقال : أنزل الله فيك ، وقرأ هذه الآية.
وقال سعيد بن المسيب وعطاء : أقبل صهيب مهاجرا نحو النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فاتّبعه نفر من مشركي قريش ، فنزل عن راحلته ونثل ما في كنانته ، ثم قال : يا معشر قريش لقد علمتم إني لمن أرماكم رجلا ، والله لا أضع سهما مما في كنانتي إلا في قلب رجل منكم ، وايم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم من كنانتي [رجلا منكم](٣) ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي ، ثم افعلوا ما شئتم [بي] ، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي ، قالوا : نعم ، ففعل ذلك ، فأنزل الله [فيه] هذه الآية.
وقال الحسن : أتدرون فيم (٤) نزلت هذه الآية؟ نزلت في المسلم يلقى الكافر ، فيقول له : قل لا إله إلّا الله ، فيأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله ، فتقدم فقاتل وحده حتى قتل.
وقيل : نزلت الآية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال ابن عباس : أرى من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله يقوم فيأمر هذا بتقوى الله فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم ، قال : [هذا](٥) وأنا أشري نفسي فقاتله فاقتتل الرجلان لذلك ، وكان عليّ إذا قرأ هذه الآية يقول : اقتتلا وربّ الكعبة ، وقال أبو الخليل : سمع عمر بن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ، فقال عمر : إنا لله وإنّا إليه راجعون ، قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
__________________
ع [٢١٣] ـ أخرجه الطبري ٤٠٠٥ عن الربيع مرسلا بهذا الخبر دون ذكر اسم صهيب.
ـ وفي الباب من حديث أنس أخرجه الحاكم (٣ / ٣٩٨) وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وفيه «قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ربح البيع أبا يحيى».
ـ وورد عن ابن المسيب عن صهيب أخرجه الحاكم (٣ / ٤٠٠) وصححه وسكت عليه الذهبي ، وفيه من لم يسم ، ومع ذلك ورد من وجوه أخرى يتأيد بها ويعلم أن له أصلا. وانظر «تفسير الشوكاني» ٣٢٣ و «الكشاف» ١١٤ للزمخشري بتخريجي.
__________________
(١) في المطبوع «يدافعان عن شبليهما».
(٢) في المطبوع «فلا تتحسر».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «فيمن».
(٥) زيادة عن المخطوط والطبري (٤٠٠٢)