مكة ، فيزعمون أن لا حج لنا؟ فقال : ألستم تحرمون كما يحرمون وتطوفون كما يطوفون وترمون كما يرمون؟ قلت : بلى ، قال : أنت حاج ، جاء رجل إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم يسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه (١) بشيء حتى نزل جبريل بهذه الآية.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ، أي : حرج (أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً) [رزقا](٢)(مِنْ رَبِّكُمْ) ، يعني : بالتجارة في مواسم الحج ، (فَإِذا أَفَضْتُمْ) : دفعتم ، والإفاضة : دفع بكثرة ، وأصله من قول العرب : أفاض الرجل ماءه ، أي : صبّه ، (مِنْ عَرَفاتٍ) ، هي جمع عرفة ، جمع (٣) بما حولها وإن كانت بقعة واحدة ، كقولهم : ثوب أخلاق.
واختلفوا في المعنى الذي لأجله سمي الموقف عرفات ، واليوم عرفة ، فقال عطاء : كان جبريل عليهالسلام يري إبراهيم عليهالسلام المناسك ويقول : أعرفت؟ فيقول : عرفت ، فسمّي ذلك المكان عرفات ، واليوم عرفة ، وقال الضحاك : إن آدم عليهالسلام لما أهبط [من الجنة](٤) إلى الأرض وقع بالهند وحواء بجدة ، فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه ، فاجتمعا بعرفات يوم عرفة وتعارفا ، فسمّي اليوم عرفة والموضع عرفات (١) ، وقال السدي : لما أذّن إبراهيم في الناس بالحج وأجابوا بالتلبية ، وأتاه من أتاه أمره الله [تعالى] أن يخرج إلى عرفات ونعتها له ، فخرج فلما بلغ الجمرة عند العقبة استقبله الشيطان ليردّه ، فرماه بسبع حصيات فكبّر مع كل حصاة فطار ، فوقع على الجمرة الثانية ، فرماه وكبّر فطار ، فوقع على الجمرة الثالثة ، فرماه وكبّر فلما رأى الشيطان أنه لا يطيقه (٥) ذهب ، فانطلق إبراهيم حتى أتى ذا المجاز فلما نظر إليه لم يعرفه فجاز ، فسمي ذا المجاز ، ثم انطلق حتى وقف بعرفات فعرفها بالنعت ، فسمّي الوقت عرفة والموضع عرفات ، حتى إذا أمسى ازدلف ، [أي : قرب](٦) إلى جمع ، فسمّي المزدلفة (١). وروي عن أبي صالح عن ابن عباس : أن إبراهيم عليهالسلام رأى ليلة التروية في منامه أنه يؤمر بذبح ابنه ، فلما أصبح روّى يومه أجمع ، أي : فكّر أمن الله تعالى هذه الرؤيا؟ أم من الشيطان؟ فسمّي اليوم يوم التروية ، ثم رأى ذلك ليلة عرفة ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله تعالى ، فسمّي اليوم يوم عرفة (١). وقيل : سمّي بذلك لعلوّ الناس فيه على جباله ، والعرب تسمّي ما علا عرفة ، ومنه سمّي عرف الديك لعلوه ، وقيل : سمّي بذلك لأن الناس يعترفون في ذلك اليوم بذنوبهم ، وقيل (١) : سمّي بذلك من العرف ، وهو الطيب ، وسمّي منى لأنه يمنى فيه الدم ، أي : يصبّ فيه فيكون فيه الفروث والدماء فلا يكون الموضع طيبا ، وعرفات طاهرة عنها فتكون طيّبة ، قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ) : بالدعاء والتلبية ، (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ، وهو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي (٧) عرفة إلى المحسّر ، وليس المأزمان ولا
__________________
أمامة التيمي به.
صححه الحاكم! ووافقه الذهبي! ومداره على أبي أمامة ، وهو شبه مجهول ، وثقه ابن حبان وحده.
(١) هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين ، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
__________________
(١) كذا في المطبوع ، وفي المخطوط «يجب» وفي «الوسيط» (١ / ٣٠٣) «فلم يدر» وكذا في الطبري ٣٧٦٨.
(٢) سقط من المطبوع وحده.
(٣) في المطبوع «جمعت عرفة».
(٤) زيادة من المخطوط.
(٦) كذا في المخطوط والطبري ٣٧٩٥ وفي نسخ المطبوع «يطيعه».
(٧) زيد في المطبوع.
(١١) في المطبوع «مرمى» وفي المخطوط «وما رمي» والمثبت عن ـ ط ـ.