الخميس ، وإنّما أتاه في ساعة منه ، وتقول (١) : زرتك العام ، وإنّما زاره في بعضه ، وقيل : الاثنان فما فوقهما جماعة ، لأن معنى الجمع ضم الشيء إلى الشيء فإذا جاز أن يسمى الاثنان جماعة ، جاز أن يسمّى الاثنان وبعض الثالث جماعة ، وقد ذكر الله تعالى الاثنين بلفظ الجمع ، فقال : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : ٤] ، أي : قلباكما ، وقال عروة بن الزبير وغيره : أراد بالأشهر شوّالا وذا القعدة وذا الحجّة مكملا (٢) ، لأنه يبقى على الحاج أمور بعد عرفة يجب عليه فعلها مثل الرمي والذبح والحلق وطواف الزيارة والبيتوتة بمنى ، فكانت في حكم الحج ، (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) ، أي : فمن أوجب على نفسه الحج بالإحرام والتلبية ، وفيه دليل على أن من أحرم بالحج في غير أشهر الحجّ لا ينعقد إحرامه بالحج ، وهو قول ابن عباس وجابر ، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي ، وقال (٣) : ينعقد إحرامه بالعمرة ، لأنّ الله تعالى خصّ هذه الأشهر بفرض الحجّ فيها ، فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص فائدة ، كما أنه علق الصلوات بالمواقيت ، ثم من أحرم بفرض الصلاة قبل دخول وقته لا ينعقد إحرامه عن الفرض (٤) ، [وذهب جماعة إلى أنه ينعقد إحرامه بالحج](٥) ، وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة ، وأما العمرة فجميع أيام السنة لها وقت إلّا أن يكون متلبسا بالحج ، روي عن أنس أنه كان بمكة فكان إذا حمّم رأسه خرج فاعتمر ، قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) بالرفع والتنوين [فيهما ، وقرأ الآخرون بالنصب من غير تنوين ؛ كقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) ، وقرأ أبو جعفر كلها بالرفع والتنوين](٦) ، واختلفوا في الرفث ، قال ابن مسعود وابن عباس وابن عمر : هو الجماع ، وهو قول الحسن ومجاهد وعمرو بن دينار وقتادة وعكرمة والربيع وإبراهيم النخعي ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الرفث غشيان النساء والتقبيل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ، قال حصين بن قيس : أخذ ابن عباس رضي الله عنهما بذنب بعيره ، فجعل يلويه وهو يحدو ويقول :
وهن يمشين بنا هميسا |
|
إن تصدق الطير ننك لميسا |
فقلت له : أترفث وأنت محرم؟ قال : إنما الرفث ما قيل عند النساء (١) ، وقال طاوس : الرفث التعريض للنساء بالجماع وذكره بين أيديهن ، وقال عطاء : الرفث قول الرجل للمرأة في حال الإحرام إذا حللت أصبتك ، وقيل : الرفث الفحش والقول القبيح ، أما الفسوق فقد قال ابن عباس : هو المعاصي كلها ، وهو قول طاوس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والزهري والربيع القرظي ، وقال ابن عمر : هو
__________________
(١) هذا خبر منكر ، لا يصح عن ابن عباس. أخرجه الطبري ٣٥٧٧ عن قتادة عن رجل عن أبي العالية عن ابن عباس ، والرجل هو حصين بن قيس الرياحي ، أبهمه قتادة لجهالته ، وكرره الطبري ٣٥٧٦ من وجه آخر عن حصين به ، ومن وجه ثالث برقم ٣٥٨٣ أيضا عن حصين به ، وحصين هذا مجهول ، تفرد عنه ابنه زياد بن حصين ، وسماه في روايته ، وأبهمه غيره لجهالته. راجع «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٣ / ١٩٥) ، فمثل هذا الخبر لا يفرح به ، وبخاصة في مثل هذه المواضع.
__________________
(١) في المطبوع «ويقولون».
(٢) في المطبوع «كمالا» وفي ـ ط ـ «كمّلا».
(٣) زيد في المطبوع وحده عقب «قال» لفظ «سعيد».
(٤) في المطبوع «العرض» وهو تصحيف ظاهر. وفي المخطوط «بالحج».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) سقط من المخطوط.