أحصر حتى فاته الحج ولم يتحلّل فقدم مكة خرج (١) من إحرامه (٢) بعمل عمرة واستمتع بإحلاله ذلك ، بتلك العمرة إلى السنة المقبلة ثم حجّ ، فيكون متمتّعا بذلك الإحلال إلى إحرامه الثاني في العام القابل ، وقال بعضهم : معناه فإذا أمنتم وقد حللتم من إحرامكم بعد الإحصار ، ولم تقضوا عمرة (٣) وأخرتم العمرة إلى السنة القابلة فاعتمرتم في أشهر الحجّ ثم حللتم فاستمتعتم بإحلالكم إلى الحجّ ثم أحرمتم بالحج ، فعليكم ما استيسر من الهدي ، وهو قول علقمة وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ، وقال ابن عباس وعطاء وجماعة : هو الرجل يقدم معتمرا من أفق [من] الآفاق في أشهر الحجّ ، فقضى عمرته وأقام حلالا بمكّة حتى أنشأ منها الحج ، فحج من عامه ذلك فيكون مستمتعا بالإحلال من العمرة إلى إحرامه بالحج ، فمعنى التمتع : هو الاستمتاع بعد الخروج من العمرة بما كان محظورا عليه في الإحرام إلى إحرامه بالحج ، ولوجوب دم (٤) التمتع أربع شرائط : أحدها أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، والثاني أن يحج بعد الفراغ من العمرة في هذه السنة ، والثالث أن يحرم بالحج في مكة ولا يعود إلى الميقات لإحرامه ، والرابع أن يكون من حاضري المسجد الحرام ، فمتى (٥) وجدت هذه الشرائط فعليه ما استيسر من الهدي ، وهو دم شاة ويذبحها يوم النحر ، فلو ذبحها قبله بعد ما أحرم بالحج يجوز عند بعض أهل العلم كدماء الجنايات ، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز قبل يوم النحر كدم الأضحية. قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) : الهدي (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) ، أي : صوموا ثلاثة أيام يصوم يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، ولو صام قبله بعد ما أحرم بالحج جاز ، ولا يجوز يوم النحر ولا أيام التشريق عند أكثر أهل العلم ، وذهب بعضهم إلى جواز صوم الثلاثة في أيام التشريق ، يروى ذلك عن عائشة وابن عمر وابن الزبير ، وهو قول مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق ، قوله تعالى : (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) ، أي : صوموا سبعة أيام إذا رجعتم إلى أهليكم وبلدكم ، فلو صام السبعة قبل الرجوع إلى أهله لا يجوز ، وهو قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس ، وقيل : يجوز أن يصومها بعد الفراغ من أعمال الحجّ ، وهو المراد من الرجوع المذكور في الآية ، قوله تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) : ذكرها على وجه التأكيد ، وهذا لأن العرب ما كانوا يهتدون إلى الحساب فكانوا يحتاجون إلى فضل شرح وزيادة بيان ، وقيل : فيه تقديم وتأخير ، يعني : فصيام عشرة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، فهي عشرة كاملة ، وقيل : كاملة في الثواب والأجر ، وقيل : كاملة فيما أريد به من إقامة الصوم بدل الهدي ، وقيل : كاملة بشروطها وحدودها ، وقيل : لفظه خبر ومعناه أمر ، أي : فأكملوها ولا تنقصوها ، (ذلِكَ) ، أي : هذا الحكم ، (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، واختلفوا في حاضري المسجد الحرام ، فذهب قوم إلى أنهم أهل مكة ، وهو قول مالك ، وقيل : هم أهل الحرم ، وبه قال طاوس ، وقال ابن جريج : أهل عرفة والرجيع وضجنان [ونخلتان](٦) ، وقال الشافعي : كل من كان وطنه (٧) من مكة على أقل من مسافة القصر ، فهو من حاضري المسجد الحرام ، وقال عكرمة : هم من دون الميقات ، وقيل : هم أهل الميقات فما دونه ، وهو قول أصحاب الرأي ، ودم القران كدم التمتع ، والمكي إذا قرن أو تمتع فلا هدي عليه.
__________________
(١) في المطبوع «يخرج».
(٢) في المطبوع «إحرام».
(٣) في المطبوع «عمرتكم».
(٤) في المطبوع «هدي».
(٥) في المخطوط «فمن وجدت فيه».
(٦) سقط من المطبوع.
(٧) في المطبوع «وطئه».