فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «قوموا فانحروا ثم احلقوا» ، فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك [ثلاث](١) مرات ، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة : يا نبيّ الله أتحب ذلك! [قال : نعم ، قالت](٢) اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتى فعل ذلك [و] نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما [أي : ازدحاما](٣).
وقال بعضهم : محل هدي المحصر : الحرم ، فإن كان حاجا فمحله يوم النحر ، وإن كان معتمرا فمحله يوم يبلغ هديه الحرم ، قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) ، معناه : لا تحلقوا رءوسكم في حال الإحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لأذى في الرأس من هوامّ أو صداع (فَفِدْيَةٌ) ، فيه إضمار ، أي : فحلق فعليه فدية ، نزلت في كعب بن عجرة.
[١٩١] أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا الحسن بن خلف ، أخبرنا إسحاق بن يوسف عن أبي بشر ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : حدّثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة :
أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رآه وقمله يسقط على وجهه ، فقال : «أيؤذيك هوامّك»؟ قال : نعم ، فأمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحلق وهو بالحديبية.
ولم يبين لهم أنهم يحلون بها ، وهم على طمع أن يدخلوا مكّة فأنزل الله الفدية ، فأمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يطعم فرقا بين ستة مساكين ، أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام ، قوله تعالى : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) ، أي : ثلاثة أيام ، (أَوْ صَدَقَةٍ) ، أي : ثلاثة آصع على ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ، (أَوْ نُسُكٍ) ، واحدتها نسيكة ، أي : ذبيحة أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة ، أيتها شاء ذبح ، فهذه الفدية على التخيير والتقدير ، ويتخيّر بين أن يذبح أو يصوم أو يتصدّق ، وكل هدي أو طعام يلزم المحرم يكون بمكّة ويتصدّق به على مساكين الحرم ، إلا هديا يلزم المحصر فإنه يذبحه حيث أحصر ، أما الصوم فله أن يصوم حيث شاء ، قوله تعالى : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) ، أي : من خوفكم وبرأتم من مرضكم ، (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ، اختلفوا في هذه المتعة فذهب عبد الله بن الزبير إلى أن معناه : فمن
__________________
[١٩١] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري. ورقاء هو ابن عمر اليشكري ، ابن أبي نجيح اسمه عبد الله. وأبو نجيح هو يسار هو في «صحيح البخاري» ٤١٥٩ عن الحسن بن خلف بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٨١٧ و ١٨١٨) و (٤١٩١ و ٥٦٦٥) ومسلم ١٢٠١ والترمذي ٩٥٣ والطيالسي ١٠٦٥ والحميدي ٧١٠ وأحمد (٤ / ٢٤٢ و ٢٤٣) والطبري ٣٣٤٦ وابن خزيمة (٢٦٧٧ و ٢٦٧٨) والدارقطني (٢ / ٢٩٨) والطبراني (١٩ / ٢٢٤) و (٢٢٥ و ٢٢٦ و ٢٢٧) والبيهقي (٥ / ٥٥) والواحدي في «أسباب النزول» ١١٢ من طرق عن عبد الله بن أبي نجيح بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه مالك في «الموطأ» (١ / ٤١٧) عن حميد بن قيس عن مجاهد به ، ومن طريقه.
أخرجه البغوي في «شرح السنة» ١٩٨٧.
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيد في المطبوع وحده.