عمرتكم سنة سبع [من الهجرة](١) ، (بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) ، يعني : ذا القعدة الذي صددتم فيه عن البيت سنة ستّ ، (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) : جمع حرمة ، وإنما جمعها لأنه أراد حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام ، والقصاص : المساواة والمماثلة ، وهو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل ، وقيل : هذا في أمر القتال ، معناه : إن بدءوكم بالقتال في الشهر الحرام فقاتلوهم فيه ، فإنه قصاص بما فعلوا فيه ، (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) ، وقاتلوه (بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ، سمّي الجزاء باسم الابتداء على ازدواج الكلام ؛ كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) ، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥))
قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، أراد به الجهاد وكل خير هو في سبيل الله ، ولكنّ إطلاقه ينصرف إلى الجهاد ، (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، قيل : الباء في قوله تعالى : (بِأَيْدِيكُمْ) زائدة ، يريد : ولا تلقوا أيديكم ، أي : أنفسكم إلى التهلكة عبّر بالأيدي عن الأنفس (٢) ، كقوله تعالى : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] ، أي : بما كسبتم ، وقيل : الباء في موضعها ، وفيه حذف ، أي : ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة ، أي الهلاك ، وقيل : التهلكة كل شيء يصير عاقبته إلى الهلاك ، أي : ولا تأخذوا في ذلك ، وقيل : التهلكة ما يمكن الاحتراز عنه ، والهلاك ما لا يمكن الاحتراز عنه ، والعرب لا تقول للإنسان : ألقى بيده إلا في الشر ، واختلفوا في تأويل هذه الآية ، فقال بعضهم : هذا في البخل في (٣) ترك الإنفاق ، يقول : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بترك الإنفاق في سبيل الله ، وهو قول حذيفة والحسن وقتادة وعكرمة وعطاء ، وقال ابن عباس في هذه الآية ، أنفق في سبيل الله وإن لم يكن لك إلّا سهم أو مشقص (٤) ولا يقولن أحدكم : إني لا أجد شيئا ، وقال السدي فيها : أنفق في سبيل الله ، ولو عقالا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، ولا تقل : ليس عندي شيء ، وقال سعيد بن المسيّب ومقاتل بن حيان : لمّا أمر الله تعالى بالإنفاق قال رجال : أمرنا بالنفقة في سبيل الله [تعالى] ، ولو أنفقنا أموالنا بقينا فقراء ، فأنزل الله هذه الآية ، وقال مجاهد فيها : لا يمنعكم من نفقة في حق خيفة العيلة :
[١٧٣] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ، أخبرنا أبو غسان ، أخبرنا خالد بن عبد الله
__________________
[١٧٣] ـ حديث حسن. إسناده لين. بشار بن أبي سيف الجرمي مقبول كما في «التقريب» أي حيث يتابع ، وقد توبع على أصل حديثه ، وثقه ابن حبان وحده ، وباقي رجال الإسناد ثقات.
ـ وأخرجه أحمد (١ / ١٩٥ و ١٩٦) وأبو يعلى ٨٧٨ من طريق واصل مولى أبي عيينة بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم (٣ / ٢٦٥) من طريق بشار بن أبي سيف بهذا الإسناد وسكت عنه وكذا الذهبي.
ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» (٢ / ٣٠٠) وقال : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ، وفيه بشار بن أبي سيف ، ولم أر من وثقه ، ولا جرحه ، وبقية رجاله ثقات! وتقدم أنه ذكره ابن حبان في الثقات.
ـ ولصدره شاهد من حديث خريم بن فاتك أخرجه الترمذي ١٦٢٥ والنسائي في «الكبرى» ٤٣٩٥ و ١١٠٢٧ وأحمد (٤ / ٣٢٢) و ٣٤٥ و ٣٤٦ والطبراني ٤١٥٥ والحاكم (٢ / ٨٧) وابن حبان ٤٦٤٧ ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ا ه. فهذا شاهد للحديث ، وفي الباب أحاديث تشهد لمعناه.
__________________
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) العبارة في المطبوع [عبر عن الأنفس بالأيدي].
(٣) في المطبوع «و» بدل «في».
(٤) تحرف في المخطوط إلى «شقص» والمشقص : النصل.