(فَإِنِ انْتَهَوْا) ، عن القتال والكفر ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، أي : غفور لما سلف رحيم بالعباد.
(وَقاتِلُوهُمْ) ، يعني : المشركين ، (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، أي : شرك ، يعني قاتلوهم حتى يسلموا فلا يقبل من الوثني إلّا الإسلام فإن أبى قتل ، (وَيَكُونَ الدِّينُ) ، أي : الطاعة والعبادة (لِلَّهِ) وحده ، فلا يعبد شيء دونه ، قال نافع : جاء رجل إلى ابن عمر في فتنة ابن الزبير ، فقال : ما يمنعك أن تخرج؟ قال : يمنعني أن الله حرّم دم أخي ، قال : ألا تسمع ما ذكره الله عزوجل [في قوله](١) : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات : ٩] ، فقال : يا ابن أخي لأن أعير (٢) بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليّ من أن أعير (١) بالآية التي يقول الله عزوجل فيها : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) [النساء : ٩٣] ... قال : ألم يقل الله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)؟ قال : [قد](٣) فعلنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ كان الإسلام قليلا ، وكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلونه أو يعذّبونه ، حتى كثر الإسلام فلم تكن (٤) فتنة ، وكان الدين لله ، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ، ويكون الدين لغير الله. وعن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عمر : كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال : هل تدري ما الفتنة؟ كان محمد صلىاللهعليهوسلم يقاتل المشركين ، وكان الدخول عليهم فتنة ، وليس [لكم غنيّ عن الملك](٥) ، (فَإِنِ انْتَهَوْا) : عن الكفر وأسلموا ، (فَلا عُدْوانَ) ، فلا سبيل (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) ، قاله ابن عباس ، يدلّ عليه قوله تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) [القصص : ٢٨] ، أي : فلا سبيل عليّ ، وقال أهل المعاني : العدوان : الظلم ، أي : فإن أسلموا فلا نهب ولا أسر ولا قتل ، إلا على الظالمين الذين بقوا على الشرك ، [وما يفعل بأهل الشرك](٦) من هذه الأشياء لا يكون ظلما ، وسمّاه عدوانا على طريق المجازات والمقابلة ، كما قال : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [البقرة : ١٩٤] ، وكقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، وسمّي الكافر ظالما لأنه يضع العبادة في غير موضعها.
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤))
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) :
ع [١٧٢] نزلت هذه الآية في عمرة القضاء ، وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم خرج معتمرا في ذي القعدة فصدّه المشركون عن البيت بالحديبية ، فصالح أهل مكة على أن ينصرف عامه ذلك ويرجع العام المقبل فيقضي (٧) عمرته ، فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم عامه ذلك ، ورجع في العام القابل في ذي القعدة ، وقضى عمرته سنة سبع من الهجرة.
فذلك معنى قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ) ، يعني ذا القعدة الذي دخلتم فيه مكة ، وقضيتم فيه
__________________
ع [١٧٢] ـ مرسل. أخرجه الطبري ٣١٣٩ عن قتادة مرسلا بأتم منه ، وذكره الواحدي ١٠٣ عن قتادة بدون إسناد. والوهن فقط في نزول الآية.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «أعتبر» والمثبت عن ـ ط ـ.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «تكون».
(٥) العبارة في المطبوع [قتالكم كقتالهم على الملك] وهي في ـ ط ـ [وليس بقتالكم على الملك].
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) في المطبوع «فيقضين».