جرير بن حازم عن شعبة ، عن علقمة بن مرثد (١) عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال :
كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا بعث جيشا قال : «اغزوابسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ، لا تغلوا ، ولا تغدروا (١) ، ولا تقتلوا امرأة ولا وليدا ولا شيخا كبيرا».
ع [١٧١] قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في صلح الحديبية ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج مع أصحابه للعمرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، فساروا حتى نزلوا الحديبية فصدّهم المشركون عن البيت الحرام ، فصالحهم على أن يرجع عامه ذلك ، على أن يخلوا له مكّة عام قابل (٢) ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ، فلما كان العام المقبل (٣) تجهّز رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا أن لا تفي قريش بما قالوا ، وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ، وكره أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم ، فأنزل الله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، يعني محرمين ، (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ، يعني : قريشا (وَلا تَعْتَدُوا) ، فتبدءوا بالقتال في الحرم [وأنتم](٤) محرمين ، (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣))
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ، قيل : نسخت الآية الأولى بهذه الآية ، وأصل الثقافة : الحذق والبصر بالأمر ، ومعناه : واقتلوهم حيث بصرتم (٥) مقاتلتهم وتمكّنتم من قتلهم ، (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) ، وذلك أنهم أخرجوا المسلمين من مكة ، فقال : أخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم ، (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ، يعني : شركهم بالله عزوجل أشدّ وأعظم من قتلكم إياهم في الحرم والإحرام ، (تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) ، قرأ حمزة والكسائي : «ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم» ، بغير ألف فيهن من القتل على معنى ولا تقتلوا بعضهم ، تقول العرب : قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم ، وقرأ الباقون بالألف من القتال وكان هذا في ابتداء الإسلام ، كان لا يحلّ بدايتهم بالقتال في البلد الحرام ، ثم صار منسوخا بقوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة : ١٩٣] ، هذا قول قتادة ، وقال مقاتل بن حيان : قوله (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ، أي : حيث أدركتموهم في الحلّ والحرم ، وصارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، ثم نسختها آية السيف في «براءة» ، فهي ناسخة منسوخة ، وقال مجاهد وجماعة : هذه الآية محكمة ولا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم ، (كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ).
__________________
(١) وقع في الأصل «يزيد» والتصويب من كتب الحديث وكتب التراجم.
ع [١٧١] ـ ذكره الواحدي ١٠٢ في «أسباب النزول» بقوله : قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بهذا اللفظ ، فهو معلق ، ومع ذلك الكلبي اسمه محمد بن السائب متروك متهم ، وأبو صالح لم يسمع ابن عباس ، فالخبر واه بمرة ، والوهن فقط في ذكر نزول الآيات ، وأما خبر الحديبية فمشهور ، وانظر الآتي.
__________________
(١) في المطبوع «تعتدوا».
(٢) في المطبوع «العام القابل».
(٣) في المطبوع «القابل».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «أبصرتم» والمخطوط «تبصرتم».