دقيقا ثم يزيد حتى يمتلئ نورا ، ثم يعود دقيقا كما بدأ ولا يكون على حالة ، فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) ، وهي جمع هلال ، مثل رداء وأردية ، سمّي هلالا لأن الناس يرفعون أصواتهم بالذكر عند رؤيته ، من قولهم استهلّ الصبي إذا صرخ حين يولد ، وأهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) ، جمع ميقات ، أي : فعلنا ذلك ليعلم الناس أوقات الحجّ والعمرة والصوم والإفطار وآجال الديون وعدد النساء وغيرها ، فلذلك خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة على حالة واحدة ، (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) ،
ع [١٦٨] قال أهل التفسير : كان الناس في الجاهلية وفي أوّل الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحجّ أو العمرة ، لم يدخل حائطا ولا بيتا ولا دارا من بابه ، فإن كان من أهل المدر (١) نقب نقبا (٢) في ظهر بيته ليدخل منه ويخرج ، أو يتخذ سلّما فيصعد منه [ويهبط](١) ، وإن كان من أهل الوبر (٣) خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل ولا يخرج من الباب حتى يحلّ من إحرامه ، ويرون ذلك برّا إلّا أن يكون من الحمس ، وهم قريش وكنانة وخزاعة [وثقيف وخيثم وبنو عامر بن صعصعة وبنو نضر بن معاوية ، سمّوا أحمسا لتشدّدهم في دينهم ، والحماسة الشدة والصلابة ، قالوا](٢) فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم بيتا لبعض الأنصار ، فدخل رجل من الأنصار يقال له : رفاعة بن التابوت على أثره من الباب ، وهو محرم فأنكروا عليه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم دخلت من الباب وأنت محرم»؟ فقال : رأيتك دخلت [منه](٣) فدخلت على أثرك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني أحمسي» ، فقال الرجل : إن كنت أحمسيا فإني أحمسي رضيت بهداك وسمتك ودينك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ع [١٦٩] وقال الزهري : كان ناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء ، فكان الرجل يخرج مهلّا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته ، فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب (٤) أن يحول بينه وبين السماء ، فيفتح الجدار من ورائه ثم يقوم (٥) في حجرته فيأمر بحاجته ، حتى
__________________
الأسباب ٩٨ للكلبي.
ع [١٦٨] ـ م ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ١٠١ نقلا عن المفسرين بهذا اللفظ.
ـ وأخرجه عبد بن حميد كما في «أسباب النزول» ١٠١ للسيوطي عن قيس بن جبير النهشلي مختصرا.
ـ وورد بمعناه من حديث ابن عباس أخرجه الطبري ٣٠٩٢ وفي إسناده عطية بن سعد العوفي ، وهو ضعيف ، ومن دونه مجاهيل.
ـ وله شاهد من حديث جابر أخرجه الحاكم (١ / ٤٨٣) وابن أبي حاتم كما في «الأسباب» ٩٩ للسيوطي. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الحافظ في «الفتح» (٣ / ٢٢٧) إسناده على شرط مسلم. وهو قوي. وله شاهد مرسل ، وهو الآتي.
(١) المدر : المدن والحضر.
(٢) النقب : الثقب ـ ونقب الخف : تخرّق.
(٣) الوبر : صوف الإبل والأرانب ـ ووبّر الرجل : تشرّد. أهل الوبر هنا : الذين يعيشون في الخيم.
ع [١٦٩] ـ أخرجه الطبري ٣٠٨٩ عن الزهري مرسلا بهذا السياق ، وهو مرسل يصلح شاهدا لما تقدم.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع وهو مثبت في «أسباب النزول» للواحدي ١٠١.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «البيت».
(٥) في المطبوع «يقول».