يأكل الميتة إذا اضطر إليها ، ولا أن يترخّص برخص المسافر (١) حتى يتوب ، وبه قال الشافعي ، لأن [في إباحته](٢) له إعانة له على فساده ، وذهب جماعة إلى أن البغي والعدوان راجعان إلى الأكل ، واختلفوا في تفصيله ، فقال الحسن وقتادة : (غَيْرَ باغٍ) [لا](٣) يأكله من غير اضطرار (وَلا عادٍ) ، أي : لا يعدو لشبعه ، وقيل : (غَيْرَ باغٍ) ، أي : غير طالبها وهو يجد غيرها ، (وَلا عادٍ) ، أي : غير متعدّ ما حدّ له ، [ولا يأكل](٤) حتى يشبع ، ولكن يأكل منها قوتا مقدار ما يسدّ (٥) به رمقه ، وقال مقاتل بن حيان (غَيْرَ باغٍ) ، أي : مستحلّ لها ، (وَلا عادٍ) ، أي : متزوّد منها ، وقيل : (غَيْرَ باغٍ) ، أي : غير مجاوز للقدر الذي أحلّ له ، (وَلا عادٍ) ، أي : لا يقصّر فيما أبيح له فيدعه ، قال مسروق : من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار ، واختلف العلماء في مقدار ما يحلّ للمضطر أكله من الميتة ، فقال بعضهم : مقدار ما يسدّ رمقه ، وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه ، وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه ، والقول الآخر : يجوز أن يأكل حتى يشبع ، وبه قال مالك رحمهالله تعالى ، وقال سهل بن عبد الله : (غَيْرَ باغٍ) مفارق للجماعة ، (وَلا عادٍ) مبتدع مخالف للسنة ، ولم يرخص للمبتدع في تناول المحرم عند الضرورة ، (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، فلا حرج عليه في أكلها ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) ، لمن أكل في حال الاضطرار ، (رَحِيمٌ) ، حيث رخّص للعباد في ذلك.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) ، نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم ، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والمآكل وكانوا يرجون أن يكون النبيّ المبعوث منهم ، ولما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم من غيرهم ، خافوا ذهاب مأكلهم وزوال رياستهم ، فعمدوا إلى صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فغيّروها ، ثم أخرجوها إليهم ، فلما نظرت السفلة إلى النعت المغيّر وجدوه مخالفا لصفة محمد صلىاللهعليهوسلم فلم يتّبعوه ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) ، يعني : صفة محمد صلىاللهعليهوسلم ونبوّته ، (وَيَشْتَرُونَ بِهِ) ، أي : بالمكتوم (ثَمَناً قَلِيلاً) ، أي : عوضا يسيرا ، يعني : المآكل التي يصيبونها من سفلتهم ، (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) ، يعني : إلا ما يؤديهم إلى النار وهو الرشوة والحرام وثمن الدين ، فلما كان يفضي ذلك بهم إلى النار فكأنهم أكلوا النار ، وقيل : معناه أنه يصير نارا في بطونهم ، (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي : لا يكلّمهم بالرحمة وبما يسرّهم ، إنما يكلّمهم بالتوبيخ ، وقيل : أراد به أنه (٦) يكون عليهم غضبان ، كما يقال : فلان لا يكلم فلانا إذا كان عليه غضبان ، (وَلا يُزَكِّيهِمْ) ، أي : لا يطهّرهم من دنس الذنوب [والخطايا](٧) ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥)) ، قال عطاء
__________________
(١) في المخطوط «المسافرين».
(٢) المطبوع «إباحة الميتة» وفي ـ ط ـ «إباحته».
(٣) في المطبوع «يأكله» ليس فيه «لا».
(٤) في المطبوع «فيأكل».
(٥) في المطبوع «يمسك».
(٦) في المطبوع «أن» والمثبت عن ـ ط ـ وهو غير موجود في المخطوط.
(٧) سقط من المطبوع.