والأنعام والبحيرة والسائبة ، والهاء والميم عائدتان إلى الناس في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ) ، قرأ الكسائي (بَلْ نَتَّبِعُ) بإدغام اللام في النون ، وكذلك يدغم لام هل وبل في التاء والثاء والزاي والسين والصاد والطاء والظاء ، ووافق حمزة في الثاء (١) والسين ، و (ما أَلْفَيْنا) ما وجدنا عليه آباءنا من التحريم والتحليل ، قال تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ) ، أي : كيف يتبعون آباءهم ، وآباؤهم (لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً)؟ الواو في (أَوَلَوْ) واو العطف ، ويقال لها أيضا : واو التعجب دخلت عليها ألف الاستفهام للتوبيخ ، والمعنى : أيتبعون آباءهم وإن كانوا جهالا لا يعقلون [شيئا ، لفظه](٢) عام ومعناه الخصوص ، أي : لا يعقلون شيئا من أمور (٣) الدين ، لأنهم كانوا يعقلون أمر الدنيا ، (وَلا يَهْتَدُونَ) ، [لاتباع محمد لعدم عقلهم](٤) ، ثم ضرب لهم مثلا فقال جلّ ذكره :
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢))
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ) ، والنعيق والنعق : صوت الراعي بالغنم ، معناه : مثلك يا محمد ومثل الكفار في وعظهم ودعائهم إلى الله عزوجل [كمثل الراعي الذي ينعق بالغنم](٥) ، وقيل : مثل واعظ الكفار وداعيهم كمثل الراعي ينعق بالغنم وهي لا تسمع ، (إِلَّا دُعاءً) صوتا (وَنِداءً) ، فأضاف المثل إلى الذين كفروا ، لدلالة الكلام عليه ؛ كما في قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، معناه : كما أن البهائم تسمع صوت الراعي ولا تفهم ولا تعقل ما يقال لها ، كذلك الكافر لا ينتفع بوعظك إنّما يسمع صوتك ، وقيل : معناه ومثل الذين كفروا في قلّة عقلهم وفهمهم عن الله وعن رسوله ، كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي إلا الصوت ، فيكون المعنى للمنعوق به والكلام خارج عن الناعق ، وهو فاش في كلام العرب يفعلون ذلك [و] يقلبون الكلام لاتضاح (٦) المعنى عندهم ، يقولون : فلان يخافك خوف (٧) الأسد ، أي : كخوفه الأسد ، وقال تعالى : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : ٧٦] ، وإنما العصبة تنوء (٨) بالمفاتيح ، وقيل : معناه مثل الذين كفروا في دعاء الأصنام التي لا تفقه ولا تعقل كمثل الناعق بالغنم ، فلا ينتفع من نعيقه بشيء ، غير أنه في غناء من الدعاء والنداء ، كذلك الكافر ليس له من دعاء الآلهة وعبادتها إلّا العناء والبلاء ؛ كما قال تعالى : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) [فاطر : ١٤] ، وقيل : معنى الآية ومثل الذين كفروا في دعاء الأوثان ، كمثل الذي يصيح في جوف الجبال ، فيسمع صوتا يقال له الصدى (٩) لا يفهم منه شيئا ، فمعنى الآية : كمثل الذي ينعق بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاء ونداء. (صُمٌ) ، تقول العرب لمن [يسمع ، ولا يعقل](١٠) : كأنه أصم ، (بُكْمٌ) ، عن الخير لا يقولونه ، (عُمْيٌ) ، عن الهدى لا يبصرونه ، (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ).
__________________
(١) زيد في ـ ط ـ «والتاء» وجعل في المخطوط «التاء» بدل «الثاء».
(٢) ليس في المخطوط.
(٣) في المخطوط «أمر».
(٤) سقط من نسخ المطبوع.
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) في نسخ المطبوع «الإيضاح».
(٧) في المطبوع «كخوف».
(٨) في المطبوع «لتنوء».
(٩) في المطبوع «الصداء».
(١٠) العبارة في المطبوع [لا يسمع ولا يعمل].