(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤]. قوله تعالى : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، قرأ نافع وابن عامر ويعقوب ولو ترى بالتاء وقرأ الآخرون بالياء وجواب (وَلَوْ) هاهنا محذوف ، ومثله كثير في القرآن ؛ كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ) [الرعد : ٣١] الآية ، يعني : لكان هذا القرآن ، فمن قرأ بالتاء معناه : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم (١) في شدّة العذاب ، لرأيت أمرا عظيما ، قيل : معناه : قل يا محمد : أيها الظالم لو ترى الذين ظلموا ، أي : أشركوا في شدة العذاب (٢) ، لرأيت أمرا عظيما (٣) ، ومن قرأ بالياء معناه : ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم عند رؤية العذاب ، أي : ولو رأوا شدة عذاب الله وعقوبته حين يرون العذاب ، لعرفوا مضرة الكفر ، وأنّ ما اتخذوا من الأصنام لا ينفعهم ، قوله تعالى : (إِذْ يَرَوْنَ) ، قرأ ابن عامر بضم الياء والباقون بفتحها ، (الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) ، أي : بأن القوّة لله جميعا معناه : [أن العذاب لمّا رآه المشركون ، أي لما عاينوه ولم تنفعهم آلهتهم وتنقذهم منه](٤) ، رأوا وأيقنوا أن القوة لله جميعا ، وقرأ أبو جعفر ويعقوب (أَنَّ الْقُوَّةَ) و (أَنَّ اللهَ) بكسر الألف على الاستئناف ، والكلام تام عند قوله : (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) ، مع إضمار الجواب.
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧))
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ) ، هذا في يوم القيامة حين يجمع الله القادة والأتباع ، فيتبرّأ بعضهم من بعض ، هذا قول أكثر المفسّرين ، وقال السدي : هم الشياطين يتبرءون من الإنس ، (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ) ، أي : عنهم (الْأَسْبابُ) ، أي : الوصلات (٥) التي كانت بينهم في الدنيا ، من القرابات والصداقات ، وصارت مخالطتهم (٦) عداوة ، وقال ابن جريج : الأرحام ؛ كما قال الله تعالى : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ) [المؤمنون : ١٠١] ، وقال السدي : يعني الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا ؛ كما قال الله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)) [الفرقان : ٢٣] ، وأصل السبب ما يوصل به إلى الشيء من ذريعة أو قرابة أو مودة ومنّة ، يقال للحبل : سبب ، وللطريق : سبب.
(وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) ، يعني : الأتباع (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) ، أي : رجعة إلى الدنيا ، (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) ، أي : من المتبوعين ، (كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) : اليوم ، (كَذلِكَ) ، أي : كما أراهم العذاب ، كذلك (يُرِيهِمُ اللهُ) ، وقيل : كتبرّؤ بعضهم من بعض ، يريهم الله : (أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ) : ندامات (عَلَيْهِمْ) ، جمع حسرة ، قيل : يريهم [الله](٧) ما ارتكبوا من السيّئات فيتحسّرون لم تحملوها (٨) ، وقيل : يريهم ما تركوا من الحسنات ، فيندمون على تضييعها ، وقال ابن كيسان : إنهم أشركوا بالله [وعبدوا](٩) الأوثان رجاء أن تقربهم إلى الله عزوجل ، فلما عذّبوا على ما كانوا يرجون ثوابه تحسّروا وندموا ، قال السدي : ترفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم [وقصورهم](١٠) فيها لو أطاعوا الله فيقال لهم : تلك مساكنكم لو
__________________
(١) في المخطوط «يعني أشرك» بدل «أنفسهم».
(٢) في المطبوع وحده «العقاب».
(٣) في المطبوع وحده «فظيعا».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «الصلات».
(٦) كذا في المطبوع والمخطوط. وفي ـ ط ـ «مخالّتهم».
(٧) زيادة من المخطوط و ـ ط.
(٨) في نسخ المطبوع «عملوا».
(٩) سقط من المطبوع.
(١٠) زيادة عن المخطوط.