ينزل [إلى الأرض](١) ، وقيل : أراد به السماء المعروفة ، يخلق الله تعالى الماء في السماء ثم ينزل من السماء إلى السحاب ثم من السحاب ينزل إلى الأرض ، (فَأَحْيا بِهِ) ، أي : بالماء (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ، أي : بعد يبسها وجدوبتها ، (وَبَثَّ فِيها) ، أي : فرّق فيها (مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) ، قرأ حمزة والكسائي الريح بغير ألف ، وقرأ الباقون بالألف ، وكل ريح في القرآن ليس فيها ألف ولا لام ، اختلفوا في جمعها وتوحيدها إلا في الذّاريات : (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١] ، اتفقوا على توحيدها ، وفي الحرف الأول من سورة الروم : (الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [الروم : ٤٦] ، اتفقوا على جمعها ، وقرأ أبو جعفر سائرها على الجمع ، والقراء مختلفون فيها ، والريح تذكر وتؤنث ، وتصريفها أنها تتصرف إلى الجنوب والشمال ، والقبول والدّبور والنكباء ، وقيل : تصريفها أنها تارة تكون لينا ، وتارة تكون عاصفا ، [وتارة النكباء المزاج المختلفة](٢) ، وتارة تكون حارّا ، وتارة باردا ، قال ابن عباس : أعظم جنود الله الريح والماء ، وسمّيت الريح ريحا لأنها تريح النفوس ، قال شريح القاضي : ما هبّت ريح إلا لشفاء سقيم أو لسقم صحيح ، والبشارة في ثلاث من الرياح : في الصبا والشمال والجنوب ، أما الدّبور فهي الريح العقيم ، لا بشارة فيها ، وقيل : الرياح ثمانية ، أربعة للرحمة ، وأربعة للعذاب ، فأما التي للرحمة : فالمبشرات والناشرات والذاريات والمرسلات ، وأما التي للعذاب : فالعقيم والصرصر في البر والعاصف والقاصف في البحر. (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ) ، أي : الغيم المذلّل ، سمّي سحابا لأنه ينسحب ، أي : يسير في سرعة كأنه يسحب أي يجرّ ، (بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ، فيعلمون أن لهذه الأشياء خالقا وصانعا ، قال وهب بن منبه : ثلاثة لا يدرى من أين تجيء : الرعد والبرق والسحاب.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥))
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ) ، يعني : المشركين ، (مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) ، أي : أصناما يعبدونها. (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) ، أي يحبّون آلهتهم كحب المؤمنين الله ، وقال الزجاج : يحبون الأصنام كما يحبون الله لأنهم أشركوها مع الله ، فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) ، أي : أثبت وأدوم على حبّه من المشركين ، لأنهم لا يختارون على الله ما سواه ، والمشركون إذا اتّخذوا صنما ثم رأوا أحسن منه ، طرحوا الأول واختاروا الثاني ، قال قتادة : إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء ويقبل على الله تعالى ، كما أخبر الله عزوجل عنهم فقال : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥] ، والمؤمن لا يعرض عن الله [كما أخبر الله عنهم](٣) في السرّاء والضرّاء والشدة والرخاء ، قال سعيد بن جبير : إن الله عزوجل يأمر يوم القيامة من أحرق نفسه في الدنيا على رؤية الأصنام أن يدخلوا جهنم مع أصنامهم ، فلا يدخلون [فيها ويمتنعون منها](٤) لعلمهم أن عذاب جهنم على الدوام ، ثم يقول للمؤمنين وهم بين أيدي الكفار : إن كنتم أحبائي فادخلوا جهنم ، فيقتحمون فيها فينادي مناد من تحت العرش : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) ، وقيل : إنما قال (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) ، لأن الله تعالى أحبهم أولا ثم أحبوه ، ومن شهد له المعبود بالمحبة كانت محبته أتمّ ، قال الله تعالى :
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.