بعد الستة النون الآخر كالأول ، هذا من الرموز الكبار. فدل أن المنبعث الثالث الذي ذكره في هذه الرسالة ، الذي غابت صورته هو الذي هبط من عالم الانبعاث ، لأنّه قد صار ثالثا ، وتكثف وصار شيئين : هيولى وصورة.
فالصورة هي الحياة المشار إليها بنفس الحس ، والهيولى هي نفس النماء (١) ، فقوله : فستعود آخر الأدوار والأكوار بحالة أعظم وجلالة أبهى ، وهو ظهور القائم صلوات الله عليه. والنّون الأول هو العاشر. قال الله تعالى (ن وَالْقَلَمِ) (٢) الذي تولد منه الواو والنون الآخر ، فالواو والذي له ستة ، رمز على النطقاء الستة. والنون الآخر هو القائم صلىاللهعليهوسلم ، لأن دوره خمسون ألف سنة كما للنون خمسون في حساب الجمل.
فالقائم هو الصورة المشار إليه بالظهور ، هو ومن ظهر في الأدوار والأكوار على ذلك السبيل ، فالهيولى والصورة هما المنبعث الثالث المتوقف عن الإجابة (٣) ، وذلك أن القسم الثاني الذي أصر واستكبر ، أظلم وامتزج الكل بالكل ، وصارا شيئين مزدوجين ممتزجين أول المكان والزمان ، ولو توجهت العناية الإلهية في فعله لما أظلم وتكثف ، ولزمه الأبعاد الثلاثة ، وحوته الجهات الستة ، وتهيأ لإدراك الحواس الخمس ، وتكونت أبعاضا عشرة ، كما صورناه وعلى ما نريد أن (٤) نبين انفعاله وانقسامه فيما بعد. والفاعل لجميع ذلك هو
__________________
(١) نفس النماء : النفس النامية في ج.
(٢) سورة ٦٨ / ١.
(٣) يذهب الإسماعيلية إلى أن الهيولى هي أثر من الثاني الذي هو جوهر هذا العالم ، أظهرها بالفعل عنه ، وبالقوة المستفادة من الأول ، ثم أظهر منها الصورة وهي الطبيعة بالفعل. ويعني بالأبعاد الأقدار الثلاثة : الطول ، والعرض ، والعمق. والهيولى والصورة وجدا معا لا يفارق أحدهما الآخر ، على أن أحدهما فاعل ، وهي الصورة ، والأخرى مفعول بها وهي الهيولى. والهيولى وصورتها فعل الأمر الذي هو الإبداع ، والهيولى وهمية وكذلك الابداع هو وهمي لا تظهر ذاته إلا في المبدع الأول. والهيولى والصورة معا هو الجسم بكونه هيولى وصورة.
(٤) أن : سقطت في جميع النسخ.