وإن من زل عن حده ، سقط وهبط ، ومن لم يلتزم بواسطته كان في بحر الهيولى يتورط. فالمنبعث الأول هذا القائم بالفعل جرى اسمه بلسان التنزيل (١) اللوح ، وجنة المأوى. وبلسان التأويل النفس الكل والتالي. ويقول صاحب الرسائل وبعض أهل التأويل بأنّه منبجس عن العقل الأول ، فمعنى الانبجاس أن صورته من صورته باقتدائه به في الإقرار والشهادة ، كما أعتقد أهل الظاهر أن حواء ظهورها من ضلع آدم. وذلك أن حجته كان ظهور تأويلها من أصل شريعته ، فذلك كذلك.
وهذا معنى الانبجاس ، والانبعاث ، والشريعة وأهلها والتأويل وأهله ، يساوي قولهم في أن الحدود الروحانية (٢) خمسة لا غير ذلك ، وأنّهم عيون عالم القدس. وحميد الدين ق س ، جعل عيون عالم الإبداع عشرة عقول. ورافده سيدنا المؤيد في ذلك وأوضحه في بعض مناجاته وذلك على رأي الفلاسفة ، والكل من القولين صحيح على معناه. فأهل الظاهر جعلوا المنبعث الأول نفس الكل (٣) وجنة المأوى ، ومعاد العالم ، والمتولي لعالم الطبيعة ، وهؤلاء الذين يرون بالعشرة ، يجعلون العاشر متولي عالم الطبيعة
__________________
(١) يريد بما نطق به الكتاب الكريم.
(٢) يقصد بالحدود الروحانية الخمسة الذين هم : السابق والتالي والجد والفتح والخيال الذين اختصوا بالتأييد ، وذهبوا إلى أن جميع الأنبياء لم يتصل بهم الوحي إلا بواسطة هؤلاء الحدود الروحانية غير المتشخصة ، استنادا إلى قوله تعالى : «وما كان لبشر أن يكلمه إلا وحيا ، أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء» بأن القسم الأول من هذه الآية هو رتبة الجد الذي هو كلام الله وحيا ، وكلمة وراء حجاب ، هي رتبة الفتح ، وكلمة يرسل رسولا هي رتبة الخيال. وقالوا بأن السابق أفضى إلى التالي الذي أفضى بدوره إلى الجد بما يجري في العالم الروحاني فأفضى هذا بدوره إلى الفتح الذي أبلغه إلى الخيال ـ يعني جبرائيل ـ فبلغه هذا إلى الناطق الحي ، الذي يمثل في دوره السابق كما يمثل الحجة أي الأساس دور التالي ، ويمثل الداعي الجد ، والمأذون الفتح ، والمكاسر الخيال في كلا الدورين.
(٣) أي التالي نفس الجميع وأصلهم.