لذاته عقلا لها ، وإحاطة بها ، واغتباطا بحالها ، وتقديسا للذي عنه وجوده ، عن أن يكون كهو.
فهذا عين البيان ، وأوضح البرهان على ما أوضحناه وشرحناه ، من التزامه بهذا الحد الجليل ، وخضوعه له ، وخشوعه وشهادته له ولمن أبدعه ، ليكون كهو مع أنّه ذروة الفضائل ، ونهاية أولة (١) لأنها الذي كان (٢) عن فعله ذلك الذي أوجب سطوع نور الانبعاث عنه ثانيا. يعني سطوع نور العقول الانبعاثية عنه ثانيا ، الذي هو تمامية الكمال وثمرته ، التابع وجودها لتلك الذات. وإن ذلك لا بقصد ، بل من ذاته بذاته كفعل الأول.
وقوله : فوجود المنبعث الأول عن العقل الأول الذي هو الموجود الأول لا عن قصد أول وحاله في الجلالة ، والعلاء ، والكبرياء ، والهيبة ، والسناء ، والاغتباط ، والمسرة بحاله ، ورتبته ، وكماله ، كحال الأول ، الذي عنه وجوده ، إلّا أن مسرته بما عقل وحصل له ، من صورة المتقدم عليه في الوجود ، أكثر من مسرته بإحاطته بذاته وعقله إياها بذاته ، فمسرته بما عقله ، وحصل له من صورة المتقدم عليه في الوجود ، فذلك الحاصل بالتزامه به وسبقه إليه ، ومعرفته له ، ولما اختصه به مبدعه ، أعظم من مسرته بذاته. فهذا هو فعله وكماله الثاني الذي أوجب له درجة المساواة (٣) بالسابق الأول. إلا أن رتبة السبق مانعة لذلك. ومن ذلك وجب على كل محدود معرفة حده الذي هو علّة وجوده وفضله ، وشرفه عليه بسبقه. وإن طاعته ، والالتزام به ، طاعة الله تعالى على سبيل فعل المنبعث الأول (حذو النعل بالنعل).
__________________
(١) وعلة أولى ، والتام الأول الذي هو المعلول الأول ، فتماميته بإضافة وجوده إلى ما عنه وجوده ، وتماميته بإضافته إلى ما عليه ذاته ، وذلك كالابداع والمبدع الأول.
(٢) الذي كان : كانت في ج وط.
(٣) وهو من حيث كونه عقلا لا فرق بينه وبين الأول.