وهو كالأول في باب كونه جامعا للكمالين (١) ، يقول : إن ذاته موجودة بعقله إياها. أي بأنّه عقل ذاته بالإقرار بأن رتبة السابق رتبة عالية شريفة جليلة فاضلة تفوق على كل مرتبة ، وتسمو على جميع ما أبدعه الله تعالى ، وإنّه أول وجود النور والجود. وواحد الآحاد والأفراد ، وإن مبدعه قد اختصه بفعله وسبقه الذي تم به كماله الثاني بمواده وبركاته وتأييده.
وقوله : وهو كالأول ، أي في باب كونه جامعا للكمالين. فصح أن كماله الأول وجوده بالإبداع الأول ، وكماله الثاني التزامه بالسابق عليه في الوجود وتسبيحه له ، وتقديسه وتمجيده ، وإقراره (٢) بسبقه ، وشرفه ، وجلالته التي قد اختصه الله بها ، كالذي كان من الأول في نفي الإلهية عن ذاته ، وسلبها عنه ، وعن جميع ما أبدعه الله واخترعه ، وإقراره بالعظمة التي لا يدرك ولا يحاط بها ، ولا تعلم إلّا من جهة الصنعة والقدرة. ثم وصف هذا المنبعث الأول بأنّه يتصف (٣) بالأحوال العشرة التي هي تختص بالإبداع أولا.
وقوله إنّه نهاية المنبعثات من طريق الإبداع ، إذ هو أصل كمالهم الثاني.
وقوله بأنّه عقل ذاته بذاته ، لا بقصد ، أي لا بمفيد ، ولا مؤيد ، ولا معلم ولا ملهم. بل انقدح له من ذاته ما انقدح للسابق عليه فيما انقدح له ما تقدم مما ذكرناه.
وقال : وكونه عالما فعلمه بذاته وذات ما تقدم ، إلى قوله : فكان ذلك لا بقصد منه بأن يوجد عنه غير ، بل لأن يفعل بذاته ما يوجب كماله
__________________
(١) بما اطلع عليه من مرتبة الناطق وقوانين أمره وإحاطته بما هو متقدم عليه بالشرف. باعتبار أن الناطق علة لوجود العقول الطبيعية بما أقامه من السنن والوضائع وبسطه من الحكم والشرائع في عالم الدين.
(٢) لتمامه وكماله في أول وجوده دفعة واحدة.
(٣) يتصف : يتعفف في ج وط.