وهو كالأول في باب كونه جامعا للكمالين ، وذلك أن جميع ما يختص المبدع ـ الذي هو العقل الأول ـ به من الأمور العشرة التي بها هو ما هو ، من كونه حقا ، وموجودا أولا ، واحدا وتاما ، وكاملا وأزليا ، وعاقلا ، وعالما ، وقادرا ، وحيا بالإضافات والذوات ، فإن المنبعث منه يستحق ما يستحقه بالمعاني الموجودة فيه :
فأما كونه حقا ، فلكونه نهاية المنبعثات من طريق الإبداع ، وكونه موجودا أولا فلكونه موجودا أولا من المنبعثات وبكونه واحدا فلكونه عقلا محضا واحدا من نوع الانبعاث الأول ، وكونه تاما ، فلوجوده عن التمام وكونه كاملا فلوجوده عن الكمال ، وكونه أزليا ، فلكونه متعلقا بما يحفظ عليه وجوده ، وكونه عاقلا ، فلعقله ذاته بذاته. وكونه عالما ، فلعلمه بذاته وذات ما تقدمه ، وكونه قادرا ، فلوجود الإحاطة منه بذاته ، وكونه حيا فلوجود الفعل منه ، فهو تام كامل ، ووجوده عن السابق عليه في الوجود لا بقصد منه ، وذلك أن قصد الموجود الأول في ملاحظة ذاته بذاته ، وعقله إياها ، لا لأن يوجد عنه غير أول ، بل لأن يفعل بذاته ما يوجب كماله لذاته عقلا لها ، وإحاطة بها ، واغتباطا بحالها ، وتقديسا للذي عنه وجوده ، عن أن يكون كهو مع كونه ذروة الفضائل ونهاية أولى لها ، الذي كان عن فعله ذلك أولا ، ما أوجب سطوع نور الانبعاث عنه ثانيا ، الذي هو تمامية الكمال وثمرته التابع وجودها لتلك الذات ، على ما تقدم الكلام عليه ، وما يكون وجوده على ذلك فليس بقصد أول وجوده.
وهذا فصل يبين ما أشرنا إليه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. بقوله : فهو كذلك قوامه ، بما تقدم عليه في الوجود من العقل الأول ، وذاته موجودة بعقله إياه ، وبعقله ما تقدم عليه في الوجود جميعا.