الأشرف قائما بالفعل عقلا فردا محضا في نوعيته ، صورة مجردة. وهو مع كونه ثانيا في الوجود عند الترتيب أول بالانبعاث ، كما أن المبدع الأول أول بالإبداع ، وكان الموجود عن النسبة الأخرى دون ذلك منزلة عقلا قائما بالقوة يسمى الهيولى والصورة ، مزدوجا في ذاته كالنسبة التي عنها وجد ، ويأتي عليه الكلام في بابه.
ثم قال : فالمنبعث الأول للمبادىء المنبعثة التي هي الحروف العلوية أول ، بكونه أول كل شيء محض وجد من شيء محض ، وهو من حيث كونه عقلا لا فرق بينه وبين الأول ، إلّا برتبة السبق ، فقد بين أن المنبعث الأول للعقول المنبعثة أول بكونه محضا وجد عن محض ، وذلك أنّه لما فعل كفعله ، وسبق كسبقه ، ماثله في الفضل والشرف لو لا شرف السبق (١).
ثم قال : فمنزلته من مراتب الأعداد منزلة الاثنين ، بكونه ثانيا في الوجود ، وكون وجوده عند الترتيب بعد الواحد المتقدم الرتبة في الوجود ، وكما أن الاثنين ذاته عن واحد ، وقوامه بالواحد ، الذي تقدم (٢) عليه في الوجود ، فهو كذلك قوامه بما تقدم عليه في الوجود من العقل الأول ، وذاته موجودة بعقله إياها ، وبعقله ما تقدم عليه في الوجود جميعا.
__________________
(١) لم نعثر على هذه الفقرات في السور الرابع المشرع الثاني من النسخة الخطية الموجودة في مكتبتنا الخاصة من كتاب راحة العقل ولربما عثر عليها المؤلف في النسخة الموجودة لديه ، أو لعله أضافها من عنده. أما ما جاء في نسختنا فهو التالي : «بينه وبين الأول ، كما أن الوصي أول منصوص عليه من الحدود في الدور والدعوة إلى التوحيد ، فهو من حيث كونه كاملا لا فرق بينه وبين الناطق ولا يقع الفرقان إلا بالمرتبة في التقدم. ولا يجوز أن يكون جسما لوجوده عن النسبة الأشرف التي توجب أن يكون هو في وجوده مثل ما وجد عنه عقلا محضا محيطة ذاته بذاته ، عاقلة ذاته لذاته ، والجسم ليس بعاقل ذاته ولا محيطة ذاته بذاته.»
(٢) المشرع الثاني من السور الرابع من راحة العقل نلاحظ بأن المؤلف بعد أن يسقط بعض السطور من النص يعود ثانية لينقل عن كتاب راحة العقل بالحرف الواحد.