جهته إذ هو حجابه بقربه منه ، وسبقه إليه ؛ وقد جاء عنه في ذلك الفصل يقول فيه : وإن العقل الأول الذي هو المبدع الأول ، لما كان مخترعا لا من شيء خص باسم الإبداع لكونه ذات الفعل الصادر إلى الوجود عن المتعالي سبحانه ، لا من أيس يجري منه مجرى المادة من ذوات الموجودات (١). وبينا أن علم كيفية الإبداع في حجاب أيست العقول من أن يكون لها إلى رفعه والوصول إليه سبيل ، بكونه مما لا تحويه ذواتها واحتياجها عند النهوض لتطلب ذلك إلى خروجها من كونها عقولا ، وفي خروج العقل من كونه عقلا بطلان ذاته ، وقيام الدليل على أن كيفية الإبداع لا ككيفية الانبعاث التي قد أحاطت العقول النيرة بها وأخبرت عنها. إذ لو كانت مثلها ، لكان الإبداع انبعاثا ، والانبعاث إبداعا ، فبطل أن تكون كهي لما بينا فيما تقدم.
والانبعاث انفعال ما لا عن قصد أول ، وهو وجود يحصل عن (٢) ذات جامعة (٣) لأمرين : بأحدهما تكون محيطة ، وبالآخر تكون محاطة.
وهذا الفصل قد بين فيه احتجاجه ، وقلة إحاطة العقول به. وقد جاء عن سيدنا المؤيد ما يصحح ذلك بقوله : الحمد لله لا يدركه من لا تدركه الأبصار ، ولا يحصره من لا تحصره الأفكار (٤).
وقال سيدنا حميد الدين (٥) : ولما كان الأمر في كون العقل الأول على نسبتين : إحداهما أشرف من الأخرى ، كان الموجود عن النسبة
__________________
(١) المشرع الأول من السور الرابع من راحة العقل.
(٢) عن : عنه ج.
(٣) جامعة : سقطت في ج.
(٤) من المجلس ٤١٤ من المجالس المؤيدية نسخة خطية في مكتبة مصطفى غالب.
(٥) استقى المؤلف النص من المشرع الثاني من السور الرابع من راحة العقل.