في أن يكون ما يوجد عنه لا شيئا واحدا ، ولا جنسا واحدا بل من جنسين : عقول قائمة بالفعل ، وعقول قائمة بالقوة. فقد تبين بما أوردنا الحال في العلة التي لأجلها كان ما وجد عن المبدع الأول لا من جنس واحد.
فهذا ما أوضحه نضر الله وجهه في آخر المشرع الرابع من السور الرابع : أن وجود الموجودات عنه من جنسين عقول قائمة بالفعل ، وعقول قائمة بالقوة. وأوجب كثرة انقسمت على وجهين بأفعالها وتباينها من ذاتها في ذاتها ، لا بفعل فاعل فعل بها.
وقد قدمنا الكلام بأن وجود ذلك العالم دفعة واحدة متساويين متكافئين في معنى الكمال الأول في الحياة بالقوة إلى أن تحرك هذا الأول من ذاته بذاته في ذاته حركة وهمية فكرية تمييزية في كيفية الوجود والموجد ، فعجز عن إدراك هذين المعنيين ، فهجم بفطنة زكية ، وصورة جلية ، ان ثم مبدعا تعالى أن يدرك بعقد وهم أو ضمير ، فنفى عن ذاته الإلهية ، وشهد لمبدعه بالوحدانية ، فامتاز بذلك وسبق إلى ما هنالك ، فاختص بالرتبة السنية ، وشق له اسم الإلهية والوحدانية بتوحيده وولهه.
وقد قربنا للمرتاد تقريبا يهتدي به في ذلك صورة الكيفية ، وجعلنا ذلك الشكل مقدمة في المعرفة في الابتداء ، وجعلنا رتبته (١) التي بها علا بسبقه وفعله ، منفردة متوحدة بذاتها ، ثم صورنا صورتين من دون مرتبة منفردتين بذاتهما وسموهما على أبناء جنسهما ، فذات اليمين أحدهما وهي رتبة المنبعث الأول القائم بالفعل (٢) ولمن تلاه ؛ وذات الشمال مرتبة لمن تخلف عن المنبعث الثاني القائم بالقوة ، وذكرنا أن
__________________
(١) يريد رتبة الناطق في عالم الدين وسلامة هذه المرتبة التي هي الواحدية له.
(٢) ورد في النسخة ط مقدار ٧ أسطر زيادة في النص بينما جاء في مكان بعض هذه الأسطر نقاط في ج ولما كانت النسخة م هي المعتمدة فقد حذفنا هذه الأسطر.