المبدع الأول لما شهد بالهية مبدعه وسبحه وقدسه بخضوع وخشوع ، وإقرار بنية صادقة ، وطوية محضة وأعلن بذلك بنطق فصيح ، وكلام مسموع معقول صحيح ، ففطن له في نطقه من جميع الجميع هذان المنبعثان ، فاستبقا كفرسي رهان ، فسبق أحدهما الثاني ، فسبح للسابق الأول ، وهو المبدع الأول ، وقدسه ، وعظمه ، وشرفه ؛ وعظم المتعالي المبدع الحق بتعظيم السابق إلى ما سبق إليه ، فقام بالفعل ، وكان شرفه كشرف الوصي ، فكان أول عالم الأمر على ما صورناه.
ثم سبح المنبعث الثاني المبدع الأول ، وقدسه اقتداء بالمنبعث الأول ، ولم يعترف بسبقه له ، وفضله عليه بفعله. فكان ذلك سبب نقصانه ، وقيامه بالقوة ، دون الفعل ، وكان أول عالم الخلق الذين تخلفوا عن الإجابة وتكثفوا ، وجميع ذلك أسرع من لمح البصر لقوله عزوجل : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (١).
__________________
(١) سورة ٥٤ / ٥٠.