ما هو عنه وجودها علّة ، ومن جهة ما يوجد عنه عالا (١).
فالأمر هو علّة البدء فهو من جهة ما وجد عنه أمر ، ومن جهة ما عليه كان وجوده من الامتناع عن الاستحالة والتغير مأمور. ومن جهة ما يظهر منه دونه أمر ، من غير أن يكون الأمر في ذاته غير المأمور ولا المأمور في ذاته غير الأمر. بل ذاك هذا وهذا ذاك ، إذ ليس هنا كثرة (٢) بالذات ، بل بالمعاني ، وذلك عبارة عن العقل الأول.
فالعقل الأول وجوده أول ، ولا يجوز أن يكون في الوجود مثله ، أو في مكان توهم أن يكون وجوده عن الله تعالى بوجود شيء آخر شاركه في الوجود معه بكونه فعلا له تعالى ، وكون الفعل عنه صدوره عن الفاعل ذاتا واحدة. وفي هذا الفصل بين فيه شهادة العقل لباريه بالإلهية ووقوع اسم الإلهيّة على هذا الشاهد المذكور في الآية على ما ذكرناه وبيّناه.
وقال أيضا في راحة العقل (٣) : ولما كانت الموجودات موجودة ثبت أنها مستندة في وجودها إلى ما يباين الموجودات ، فلا يناسبها في شيء ممّا لها ، لا في كثرة بالذات ، ولا بالمعاني ، ولا في قلة ، ولا في شيء من الأشياء المقولة على الجواهر والأعراض الذي بينّا أنّه إن لم يكن كذلك استحال وجود الموجودات. وإذا كانت الموجودات وجودها عمن لا يحتمل قلّة ولا كثرة ، ولا صفة من الصفات ، كان الموجود الأول غير متكثر بالذات ، ولا جائز أن يكون كذلك كما بينا.
__________________
ـ وبطل أن يكون شيء يتقدم في وجوده على العقل الأول إذ هو ذات الفعل الذي هو العلة والإبداع وليس وراءه إلا الله المبدع الذي عنه وجوده.
(١) كالنفس التي تحتاج إلى الاستفادة من العقل فتتحرك نحوه حركة الشوق وحركة المعلول إلى العلة.
(٢) هنا كثرة : سقطت في ج وط.
(٣) المشرع الرابع من السور الرابع من كتاب راحة العقل الكرماني.