لجسمه هو الكمال الأول (١). فإذا اتصل بالعلم والحكمة ، من قبل أولياء الله الذي هو له صورة ، كان له كمالا ثانيا ، وحياة قديمة محيية لتلك الحياة الطبيعية (٢) ، فهما فردان من جهة إنّهما مخلوقان (٣) ، وفرد من جهة إنّهما قد صارا شيئا واحدا.
وكذلك سئل سيدنا حميد الدين : هل على الابداع تكليف؟ فقال : التكليف على وجهين : تكليف مطلق ، وهو تكليف الأجرام والأفلاك على جريانها. وتكليف غير مطلق ، هو عبادة البشر ، ليصير من جهله ونقصه إلى غاية الشرف ، وعبادة العقل الأول لمبدعه ، هو نفي الإلهية عن ذاته ، وإثباتها لمبدعه ، من جهة الإقرار به ، والخضوع له ، والابتهال إليه والتسبيح ، والتقديس ، لا من جهة الإدراك ، فهو قبلة القبل وميزان العدل في التوحيد ، وإمداده لما دونه دائما ، فلو انقطع لحظة ، لفسدت السموات والأرض (٤) ، ولبطل التوحيد ، وانقطع التأييد ، وعطلت الحدود ، ولصار أمر العالم إلى الفناء ، وليس للإفادة عنه عمل نوره ، وضياؤه الثواب للمؤمنين ، وناره العذاب للجاحدين.
__________________
تجمع وحدة وما بها صار واحدا جميعا وهما فردان ، ذلك بأن يكون جامعا للوحدة والكثرة على نظام يبرأ به في آية التغاير الموجب وجوده وكون ما عنه وجوده على أمرين ، لوجود كل منهما سببا فيصير كونه على ذلك موجبا ما يتأول عليه ، بريئا من آيات توجب كل منهما رتبة وراءه ، فهو واحد بالذات ، كثير بالإضافات».
(١) يعني أن الكمال الأول يحصل للإنسان من العبادة الظاهرة ، وكماله الثاني العلمي يأتي من العبادة الباطنة ، المنمية لجسمه : الميمية الحية ج وط.
(٢) يريد أن الغوص في العرفان الباطن يحيي العمل الظاهر.
(٣) بهذا الأسلوب الفلسفي يثبت ضرورة الأخذ بالعبادتين العملية والعلمية وإطاعة الإمام الذي تتجسد فيه العبادتان في حالة عدم وجود الناطق صاحب العبادة العملية ، لأنه يقوم مقامه ويحمل رتبته الروحية والدينية.
(٤) أي لو خلت الأرض من الإمام لحظة لمادت بأهلها.