وقال أيضا : والإبداع الذي هو المبدع بكونه عين الكمال متجالل عن أن يكون ناقصا فيرجع إلى ذاته نقصانه ، أو إلى من وجد عنه ، فإذا كان متجاللا فهو دائم لا يستحيل (١).
ثم ان الإبداع الذي هو المبدع الأول لا يجوز أن يكون له مثل في الوجود بنوعيه (٢) فيكونا اثنين ، إذ ذلك يوجب انقسام ما وجد عنه بضرب من الانقسام ، حتى وجد عن كل قسم ما أوجبته نسبته.
فقد بين أنّه لا يكون ناقصا فيرجع نقصانه إلى ذاته ، ولا له مثل في الوجود ، يعني في التصور الذي تصوره ، والفعل الذي قام به وسبق إليه ، فسمي بذلك قديما ، بتقدمه على أبناء جنسه ، إلى ذلك. وأزلي الغاية بوجوب البقاء السرمد ، والحياة أبد الآبدين بتوحيده لمبدعه ، وإقراره (٣) بالالهية بلا (٤) واسطة ، ولا مادة ، ولا وحي (٥) ، ولا إفادة ، وبذلك أيضا أوجب الله تعالى لمن وحد ما وحده ذلك الحد الجليل ، ولم يشرك به ، وعرف شرف هذا الحد الجليل بحقيقة معرفته ، وتوجه به إلى من جلت قدرته ، وعرف الحدود ، ونزل كل حد في حد الأزلية والبقاء والسرمد ، وكانت نسبته إلى موجده ومصوره ، وكان في تصوره كعين ما تصوره (٦). وذلك الحد الجليل ذاته ذات أمور عشرة :
__________________
(١) ولا يتشبه به في الدوام والتسرمد والتأزل ، لأن الاستحالة ضرب من الفساد لنقصانه. المشرع الرابع من السور الثالث من راحة العقل.
(٢) بنوعيه : بالنوعية في ط.
(٣) بأنه لا يعتوره الانقسام بضرب من الضروب لا بالقول ولا بالكم لما يجب به من وجود ما يتأول عليه سبحانه وتعالى.
(٤) بلا : سقطت في ج.
(٥) كونه موصوفا بالتمام والتام عاقلا لذاته بكونه أشرف الموجودات.
(٦) كل هذه المناقشة للإثبات بأن الناطق الذي هو من عالم الدين مبدأ لدوره ، به يتعلق وجود من سواه وانه كامل ثابت على ما به أعطي كمالا يطابق ذلك في عالم الإبداع في كونه كاملا أزليا لا يستحيل عما عليه وجد ، وكونه واحدا لا يشاركه في رتبته غيره ولا يماثله في رتبته سواه.