مادة هي غيره. وإنّما قلنا إنّه فعل في ذاته ، لكونه أول موجود ، فقد بين أنّه فعل ذاته لا من مادة ، وهو ما ذكرناه ، وفاعل لا في مادة هي غيره ، وهو ما يصور به تابعيه على ما نبيّنه في موضعه.
وقال في فصل ثان : فالموجود الأول أصل إليه ينتهي كل موجود. فقد بيّن أنّه علّة لغيره ، وأنّه تام في فعله. وكما صار الناطق وجوده ناطقا لا من جهة من كان من جنسه من البشر ، صار الموجود الأول لا عمن هو من جنسه ، فقد صرح أنّه من عالم مثل ما الناطق من جنس البشر (١).
وقال أيضا : فإن الصفات والمعاني ، تلحقه بالإضافات ، مثل الحالتين الأوليتين بهما الكمال الأول الذي به يتعلق وجود الذات التي هي الموصوف ، والكمال الثاني الذي به يتعلّق وجود شرف الذات التي هي الصفة. فالكمال الأول مثله كالحامل ، والكمال الثاني كالمحمول بيانه ، وهما من تلك الذات كالفردين اللّذين بهما وجود الواحد الذي يجمع وحدة (٢) ، وما بها صارا واحدا جمعا ، وهما فردان ؛ ذلك بأن يكون جامعا للوحدة والكثرة على نظام يبرأ من آية التغاير الموجب وجوده كون ما عنه وجوده على أمرين ، صار كل منهما لوجود كل منهما سببا ، فيصير كونه على ذلك موجبا ما يتأول عليه ، بريئا من آيات توجب رتبة وراءه ، وهو واحد بالذات ، كثير بالإضافات (٣) ، مثل كونه إبداعا إذا أضيف إلى ما عنه وجوده ، وكونه مبدعا إذا أضيف
__________________
(١) نجد المؤلف هنا يعمد إلى تطبيق نظرية المثل والممثول والظاهر والباطن معتمدا في بحثه على ما ورد في كتاب راحة العقل للكرماني في المشرع الثالث من السور الثالث فيذهب إلى أن الناطق في التنزيل أي الرسول النبي مثله مثل الموجود الأول أو العقل الأول أو السابق في عالم الابداع.
(٢) كما هو معروف عن علماء الإسماعيلية نلاحظ أن المؤلف يطبق نظرية الإسماعيلية في الاعداد فيمثل الناطق بالواحد من الأعداد وما له من خواص ليست لغيره.
(٣) لأنه هو مذ هو فرد ، وكان فيما هو فرد لامتناع وجود مثله لأنه واحد بالذات. وذاته مزدوجة بفردين.