من ليس ، والخلق من أيس ، تباركت قدرته ، وجلت عظمته ، فلا يعلم إلّا من حجابه ، ولا يؤتى إلّا من بابه ، ولا يطاع إلّا من أسبابه ؛ فهذا ما جاء عنه. فحجابه هو المبدع الأول ، وبابه النهاية الثانية في عالم الدين ، وأسبابه الدعاة إليه في كل عصر وزمان.
وهذه البراهين الأربعة (١) :
الأول منها عن حميد الدين ، والثاني منها ما جاء به التنزيل المبين ، والثالث منها عن الشخص الفاضل صاحب الرسائل ، والرابع عن الداعي المؤتمن جعفر بن منصور اليمن نضر الله وجوههم جميعا ، ورزقنا شفاعتهم. وذلك أنّه لمّا فطن ذلك الحد الجليل لما هنالك في الابتداء الأول ، وشهد لمبدعه بالإلهية ، كان ذلك أصل التوحيد ، وحقيقة التجريد ومعنى التنزيه ، واس العبادة في التقديس والتسبيح والتمجيد ، وهو الفعل الذي أشير إليه بقيامه به (٢) ، ووسم به (٣) ، وأضيف خاصا إليه ، وهو أيضا كماله الثاني ، الذي رمز به حميد الدين ، وهو الوحدة بذاته الأولة (٤) الحاملة ، وهو في ذاته فرد محض ، ومزدوج بالكمالين ، وكان المتكثر بذلك «بالأسماء والصفات
__________________
(١) يريد الأقوال التي استقاها من أربعة نصوص لها قدسيتها.
(٢) كل آراء علماء وفلاسفة الإسماعيلية في كافة العصور متفقة على أن المبدع سبحانه وتعالى لا مثل له ، فلا يتعلق بتوحيد الموحدين ، ولا بتجريد المجردين ، فيخرج من أن يكون لا مثل له إذا لم يوحده الموحدون ، أو عن نعوت مبدعاته إذا لم يجرده المجردون ، بل هو تعالى وتكبر ـ وحد الموحد أو لم يوحد ، وجرد المجرد أو لم يجرد ـ لا مثل له ، إذ لو كان لكانا اثنين.
(٣) ورد في النسخة ج وط زيادة ثلاثة أسطر في النص من قول حميد الدين : فلما كان الإبداع الذي هو الموجود الأول كمال الثاني بجوهره لا شيء هو غيره كانت جلالته وعظمته ، وقدرته وكبريائه ومجده وغبطته ومسرته بذاته على حالة يقصر الوصف عنها تفوق المسرات التي عندنا.
(٤) هذا القول مأخوذ من كتاب راحة العقل لحجة العراقين أحمد حميد الدين الكرماني المشرع الخامس من السور الثاني. ص ١٤١ تحقيق مصطفى غالب. منشورات دار الأندلس بيروت.