فهذا ما جاء عن الإمام الفاضل أصدق كل قائل. وكذلك جاء عن سيدنا جعفر بن منصور اليمن قس (١) في مثل ذلك بقوله : الحمد لله مؤيد الحق ونصيره ، ومظهر الخلق بتقديره وتدبيره ، ومقسم الأرزاق بتقديره ؛ ومدحض الباطل ومبيده ، ومجري الفلك بتسييره ، ومضيء النهار بسناء نوره ، والدال على توحيده ببراهينه ، ومستعبد جميع عباده بحدوده الذين جعلهم بينه وبين خلقه سببا متصلا لا ينفصل ، وأعجزهم عن معرفته ، الّا من سببه ؛ واحتجب بحجاب عظمته عن بريته ، ودل على نفسه بنفسه ، وتصمد بعظيم ربوبيته عن أن يدرك بحس ، ولا يعلم بلمس ، ولا يحيط بكنهه جن ولا إنس ، ولا يشرك في ملكه أحد ، أبدع قبل أن خلق ، فتعالى عن التشبيه بما أبدعه ؛ بل أفاض عظمته وجلاله وسناء نوره وبهاء قدرته ، على ما أبدعه ، الذي نفى عن هويته الإلهية ، وأقر لمبدعه بالوحدانية. ولو لم يوقع النفي بذاته في ابتداء نطقه ، لما كان لأحد إلى معرفة مبدعه سبيل ، ولا ثبت الإقرار ، فكان النفي تثبيتا (٢) بقولك : إلّا الله. فدل أن ثمة إله مبدعا للمبدع ، فكان في نفي المبدع الإلهية عن ذاته إثباتا لمبدعه ، وكان في إثبات الإلهية بعد النفي سبب ظهور الخلق. فكان المبدع خالقا تنزيها للمبدع وتعظيما لقدرته ، فكان الإبداع
__________________
(١) جعفر بن منصور اليمن من كبار علماء الإسماعيلية وصاحب المؤلفات العديدة في علم التأويل وعلم الحقيقة ، ولد في اليمن سنة ٢٧٠ ه ، عاصر عدة أئمة من الخلفاء الفاطميين وتوفي في خلافة المعز لدين الله في المنصورية سنة ٣٤٧ ه. وصل إلى أعلى مرتبة من مراتب الدعوة الإسماعيلية (باب الأبواب) واسمه كما ورد في النصوص الإسماعيلية جعفر بن الحسن بن فرج بن حوشب بن زادان الكوفي. لقب والده الحسن بمنصور اليمن لما حقق من انتصارات في اليمن. والنص مأخوذ من كتابه سرائر النطقاء ؛ سقطت «قس» في النسخة ج.
(٢) يذهب الإسماعيلية إلى أن الشهادة مبنية على النفي والإثبات ، فالابتداء بالنفي والانتهاء إلى الاثبات. وقالوا إن الكلمات الأربع من الشهادة «لا إله إلا الله» هي جنة بالحقيقة ومفاتيحها الأربعة ، الأصلان العلويان السابق والتالي ، والأساسان السفليان الناطق والأساس. ومن ينكر أصلا من هذه الأصول لا يتهيأ أن يفتح له شيء من معالم دينه.